مملكة الإبداع

إنها مملكة أهديها إلى أعز الناس، وأحب الناس، وأغلى الناس، فهي من أرشدتني إلى إنشائها وإليها أهدي كل الكلمات..

إنه يقودني!!




(ليس ببعيد.. اصبر وستصل إلى هدفك)..

كلما شعرت بالإرهاق والعناء واليأس تردد هذا الصوت بداخلي ليدفعني ويحضني على الاستمرار

(إياك أن تستسلم بعد كل هذا) !

تعثرت قدماي.. سقطت.. نهضت وتابعت العدو بكل قوتي.. بين الأشجار الطويلة الباسقة.. تنغرس قدماي في الطين والرمال والوحل.. لا أشعر بكل ما حولي.. أسمع أصوات الحيوانات المفترسة وأصوات الطيور التي تطير حولي وكأنها تحذرني من خطر مجهول.. استمع لها يا فتى.. إلى أين تذهب؟؟

(لو استمعت إلى نفسك فستضل الطريق إلى الأبد.. لا تسير إلا خلف صوتي أنا فقط)

هكذا سمعت هذا الصوت للمرة الثالثة ينبعث من أمامي وهو يرشدني إلى الطريق,, ترددت.. هل أكمل الطريق؟ هل أتجاهل كل الأخطار والأوجاع والمصاعب والمشاق؟ هل سأستطيع؟!.. بالتأكيد لا.. ستفترسني النمور والأسود وستأكل جثتي النسور والصقور.. أنت في غابة.. وحيدا.. شريدا.. مطرودا..

(ولو ترددت أكثر من هذا فستحكم على نفسك بالموت.. تقدم يا فتى)..

فليكن إذن.. ليس أمامي خيار.. هذا الصوت يتحدث بالعقل والمنطق.. ونفسي لا يتحكم فيها إلا الخوف والرعب والتردد.. اصمتي يا نفسي.. كفاكِ ترددا.. سأتجاهل ضميري.. سأتبع هذا الصوت حتى النهاية..

صوت أنفاسي تتردد داخل صدري.. قلبي يرتجف بين ضلوعي في رهبة.. ألم عنيف في أحشائي.. أشعر بالدوار.. جسدي كله يرتعش في شدة..

(ستفعلها يا رجل.. نعم ستفعلها)..

وهنا، انشقت الأرض تحت قدميّ.. شعرت بنفسي أسقط في الهواء.. لوحت بذراعيّ كالمجنون.. هل هناك أي شيء أتشبث به حتى يتوقف هذا السقوط؟؟

استمر صراعي مع الهواء والرعب والفزع لأكثر من دقيقة كاملة حتى شعرت أن صدري سينفجر.. ما هذا الذي يحدث؟؟ الهواء يقل ودرجة الحرارة تزداد.. إنني أموت.. سأنصهر.. سأذوب.. سأرتطم بالأرض وسيتحول جسدي إلى أشلاء..

وبكل يأس صرخت و..

(فعلتها إذن)..

كيف تتحدث بهذا الارتياح أيها اللعين؟؟
إنني أموت..
أذوب..
أتآكل..
سعيت خلفك حتى قدتني إلى هذا المكان.. وعدتني بالحرية والكرامة والثروة والمال.. تحملت في سبيل ذلك كل شيء.. وفي النهاية ماذا جنيت؟! السقوط في العدم إلى ما لا نهاية.. الألم والعذاب دون توقف..

(عليك اللعنة) !

كانت هذه كلمتي أنا هذه المرة.. لِمَ وعدتني وعدا زائفا.. بل كيف نجحت في اكتساب ثقتي حتى سرت خلفك كمسلوب الإرادة..

انتهى كل شيء في لحظة واحدة..

دارت الأيام والأحداث حتى رأيت نفسي أقف في يوم المحشر.. بين الخلائق وجموع هائلة من البشر.. اقتربت مني جهنم.. ما هذا؟؟ ما هذا؟؟ هل ستكون هذه نهايتي؟؟!!

نظرت حولي في يأس.. هل هناك من مخرج؟ هل هناك من أمل؟؟

وجاء اللعين يقف أمامي وأمام كل من فعل مثلي ويقول في صراحة وتبجح:

( إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم )

يا رب!! لقد تخلى عني هذا القذر.. تخلى عني بعد أن زين في عينيّ كل شيء.. كل شيء..

يا رب لقد اعترفت بذنوبي
أقررت بخطأي وظلمي..

فهل إلى خروج من سبيل؟؟!

وكانت الإجابة.. النهاية.. إسدال الستار على مسرح التعسف والفسوق والذنوب.. إسدال الستار على مسرح البعد عن الله والتكبر على طاعته.. والجري خلف الأوهام التي نسجها أمامي إبليس اللعين

(اخسئوا فيها ولا تكلمون .. إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين ،، فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون .. إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون)

وساد الصمت..

ساد إلى الأبد.. بين دموع الندم والألم والعذاب..

6 التعليقات:

ونِعمَ التذكرة ,, أسلوب رائع ووصف فوق الخيال ،

إبداع ما بعده إبداع ..

بارك الله فبك وجعلها في ميزان حسناتك ..

تقبل مروري ؛

 

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم

أضاءت الخاطرة بمرورك الكريم ،،

 

حقيقة لا ادري لها تعليقا غير انها تمس اجزاء شديدة الحساسية بداخل كل شخص

فكرة تحتوي علي بعض الفلسفة التي لم تلبس ان اتضحت في النهاية

جزاك الله خيرا ع التذكرة يادكتور

خالص احترامي وتقديري

 

بالفعل، لا أدري لم اشتدت علاقتي بالتفلسف والرومانسية هذه الأيام..

ولكن لعلها فلسفة مفيدة ان شاء الله..

تحياتي ،،

 

جزاكم الله خيرا
بجد موضوع مؤثر جدا
اللهم انى اعوذ بك من النار ومن حر النار
بارك الله فيكم يا دكتور
وجزاكم الله خيرا

 
أزال المؤلف هذا التعليق.
 

إرسال تعليق