مملكة الإبداع

إنها مملكة أهديها إلى أعز الناس، وأحب الناس، وأغلى الناس، فهي من أرشدتني إلى إنشائها وإليها أهدي كل الكلمات..

إخوان الشيطان !!

فى الأيام الأخيرة للطاغية "مبارك" - الذى أكره التحدث عنه فى الواقع - وفور أن شعرت بنبض الشارع المصرى الذى خرج بالملايين واتحد كله تحت هدف واحد وشعار واحد، أدركت أن ساعات هذا الرجل فى الحكم أصبحت معدودة فأمسكت بالقلم والورقة وشرعت أكتب أفكارى فيمن أتمنى أن يحكم بلدى ..

لقد أيقظت هذه الأيام فى أعماقى الكثير من المشاعر الوطنية التى لم أكن أتصور أنها موجودة داخلى، لم أكن أتخيل أننى قادر على المشاركة فى مظاهرة مليونية، قادر على الصياح دون خوف، قادر على الصراخ فى وجه الظلم دون تردد، جعلتنى هذه الأيام أكسر كل الحواجز الزائفة التى نمت فى أعماقى على مدار سنوات طويلة..

ومع حركة القلم، بدأت أرسم صورة جميلة للشعب المصرى نفسه الذى رأيت فيه أكثر مما كنت أحلم أن أرى، رأيت بعين الخيال مكانا آخر يمتلئ بالعدل والرحمة والمساواة والإخاء والحب والمودة والشجاعة فى الحق، رأيت بعين الخيال رئيس الجمهورية وهو يتحرك على قدميه بين الناس دون حراسة فيضحك مع هذا ويستمع إلى ذاك، فارتسمت على شفتىّ ابتسامة باهتة وقلت فى خفوت: رحمك الله يا أمير المؤمنين!

كان سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه يفعل ذلك.. كان يجلس تحت ظل شجرة فى بساطة وهو من يستطيع أن يكون سيد عصره بلا منازع.. يسير على هدى النبى صلى الله عليه وسلم الذى جاءه رجل يرتعد خوفا فقال له مع ابتسامة واسعة رائقة صافية جميلة لم تكن تفارق وجهه: هون عليك فإنى لست بملك.. إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد! - أى
اللحم المقدد هو لحم محفوظ عن طريق تجفيف اللحوم اما بعرضها على الشمس أو على نار الفحم -

وأذكر جيدا أننى افترضت أن الأخوان المسلمين قد ينجحون فى الوصول إلى الحكم وأخذت أسترجع ما قرأته عن هذه الحركة منذ ظهورها على يد الشيخ حسن البنا فى الاسماعيلية وما شهدته من قمع ومعاداة من جانب عبد الناصر والسادات من بعده ثم على يد الطاغية الأكبر، وكيف أنها بدأت بشكل مثالى ثم بدأت فى الانحدار التدريجي حتى سمعت أحدهم يوما يقول: لو كان البنا حيا يُرزَق لتبرأ منهم!

ولكن بمقاييس العقل كانت هذه الحركة هى الأمثل للنهوض بالبلاد من حالة الفساد العامة التى حلت بها، كنت أعلم أن أهداف الإخوان قد انحدرت إلى أسوأ مستوى ممكن، وأنهم يريديون فقط إثبات قدراتهم وتأثيرهم ونفوذهم للعالم أجمع ليعوضوا سنوات القمع التى عاشوها كثيرا وطويلا، وأن هذا قد أنساهم الشعار الذى عاش قادتهم وماتوا من أجله: الإسلام!.. وفى الوقت نفسه ولأن الساحة لم يكن فيها من هو أفضل تمنيت أن يكون للإخوان دورا بارزا فى المرحلة القادمة..

وتمر الأيام ويقترب موعد استفتاء تعديل الدستور ويقفز ذهولى إلى ذروته وتتوالى الطعنات عندما أكتشف فجأة أن أحقر الأهداف الدنيوية أفضل آلاف المرات من ذلك الأسلوب الرخيص الذى اتبعته جماعة كنت على وشك أن أمنحها ثقتى وأدعو لها بالتوفيق..

فبمنتهى الصفاقة بدأت قادة الجماعة فى استخدام ثقة العامة بهم والخطاب الدينى الدعوى الذى يكن له الشعب المصرى الكثير من الاحترام فى ربط الدين بالسياسة بطريقة أقل ما يُقال عنها أنها رخيصة، وبدأوا فى اقناع الجميع بأن الموافقة على التعديلات أمرا شرعيا والشرع برىء من ذلك، وأن رفض التعديلات يعنى فقد مصر لهويتها الإسلامية ومصر بريئة من ذلك!! وفهمت اللعبة بمنتهى البساطة، فالإخوان يريدون أن - يقرصوا - آذان من يعارضونهم أو يتجاهلون وجودهم على الساحة بشكل عملى أى أنهم يقولون: نحن هنا لا تتجاهلوننا وإلا ستندمون! يا حركة ائتلاف شباب الثورة يا قوى سياسية مختلفة بدأت تقوى وتشتد على الساحة السياسية فى مصر، نحن هنا !

وفى سبيل إثبات الوجود حطم الإخوان كل القيم الأخلاقية التى قامت عليها جماعتهم والتى تتمثل فى عدم إقحام الدين للوصول إلى أهداف دنيوية، واستغلوا بساطة العامة وفقرهم العلمى والثقافى، والظروف الاقتصادية الصعبة جدا التى يمر بها الناس لكى يزينوا أمامهم وعودا زائفة واهية بأن الموافقة تعنى عودة الاستقرار والأمن والأمان واحتفاظ مصر بهويتها الإسلامية، وبدأوا فى التأثير فى شيوخ وعلماء السلف الذين يعلمون أن لهم تأثيرا وشعبية كبيرة عند الشعب المصرى وخدعوهم - بسذاجة لم أكن أتوقعها - بأن رفض التعديلات يعنى سقوط المادة الثانية من الدستور - التى لا يستطيع سوبر مان نفسه أن يسقطها - فثارت ثائرة السلف وقفز علماؤهم إلى المنابر يلقون فى مسامع الناس كلماتهم الرنانة بوجوب الموافقة لحماية الإسلام وقدموا للإخوان ما يريدونه على طبق من ذهب، ومنحوهم فرصتهم فى الاشتراك بنسبة لن تقل عن 25% من السلطة التشريعية المنتخبة التى ستعتمد الدستور الجديد للبلاد والتى سترشح - قطعا - أحد ممثليها لمنصب الرئاسة، ولو حدث واكتملت خطتهم الحقيرة للوصول إلى الحكم فسنجد رجلا أشد على مصر من ألف مبارك وسنعود إلى الوراء بحق مئات الأعوام والسنين ..

أيها الإخوان المسلمون .. أنتم إخوان الشيطان !!

بقلمى / محمد فخرى

3 التعليقات:

اصبت يادكتور في كل كلمة ذكرتها اجارنا الله تعالي من هؤلاء الذين يتلاعبون باسم الدين لتحقيق اغراضهم الشخصية
خالص احترامي لفكرك وقلمك

 

السلام عليكم ،

مقال رائع يا دكتور ،
جزيتم خيراً ..

دمتم بكل الخير .

 

مش لدرجه اخوان الشيطان يعنى...هو احنا مينفعش نختلف فى الايدلوجيه من غير ما نهين بعض؟؟

 

إرسال تعليق