مملكة الإبداع

إنها مملكة أهديها إلى أعز الناس، وأحب الناس، وأغلى الناس، فهي من أرشدتني إلى إنشائها وإليها أهدي كل الكلمات..

ثورة على الفيس بوك .. وبدأت الثورة

مرت الأيام بسرعة وكنت في حالة دائمة من الاستقرار النفسي والهدوء، وتحسنت علاقتي دائمة التوتر بيني وبين أبي، وأصبح الجروب مع الوقت من أكبر الجروبات الفكاهية متعددة الأنشطة على الفيس بوك وتجاوز عدد أعضائه مئات الآلاف من المصريين والعرب والأجانب فبدأنا نستخدمه لأغراض دعائية ودعوية مختلفة..
ولكن الأمور انقلبت كلها فجأة رأسا على عقب..

كنت في المنزل أقرأ من مصحفي الصغير الذي لا أتركه أينما ذهبت حينما سمعت صوت سيارة تتوقف أمام المنزل وهي تطلق صريرا مزعجا.. لم أهتم وواصلت القراءة لكنني سمعت صوت أقدام ثقيلة وقوية تتجه نحو باب الشقة ثم ارتفعت الطرقات والخبطات تدوي على الباب في قوة.. لم يكن هناك أحد في المنزل سواي.. أوقفت القراءة ونهضت أفتح الباب في توتر..

فوجئت برجال الشرطة يندفعون داخل المنزل في صرامة ويدفعونني في شيء من الغلظة حتى أفسح الطريق أمام أكبرهم رتبة الذي اتجه نحوي وهو يرمقني بنظرة شديدة القوة والقسوة.. كان يرفع عينيه ويخفضهما ليفحص كل سنتيمتر من جسدي ثم قال:
- هل أنت ذلك المدعو (جلال)؟

لاحظت تلك اللهجة التي تحمل الكثير من الاستهتار والاستخفاف لكنني تجاهلتها ونصبت هامتي وأنا أجيب:
- نعم، هو أنا.. ماذا تريديون؟

لم يجيبني الرجل بل أشار إلى رجاله بتفتيش المنزل فاندفعوا إلى كل مكان يقلبونه رأسا على عقب مما جعلني أصيح في غضب:
- ماذا تفعلون؟ هل تحمل إذنا بالتفتيش؟

عقد الرجل ساعديه أمام صدره وهو يقول:
- سينتهى الأمر خلال دقائق معدودة.

لم تكد تمر خمس دقائق حتى عاد الرجال إلى الردهة حيث يقف قائدهم وأعلن كل منهم أنه لم يعثر على ما يثير الشكوك، فالتفت إليّ القائد وقال في شيء من السخرية:
- أعتقد أنه يحق لك أن تعلم لم نحن هنا بالظبط يا جلال.

لم أرد فقادني الرجل إلى غرفتي حيث أشار إلى جهاز الكمبيوتر وسأل في صرامة:
- من يستخدم هذا الجهاز يا فتى؟

أجبته في برود:
- أنا وأصدقائي، فهمي وإبراهيم وجورج.

تألقت عينا الرجل في شدة وهو يردد:
- أصدقاؤك؟

وبسرعة أشار الرجل إلى رجاله وهو يهتف بلهجة آمرة:
- ألقوا القبض على الثلاثة والحقوا بنا حيث سنذهب بهذا الفتى.

قال الكلمة الأخيرة وهو يبتسم لي ابتسامة صفراء فلم أستطع منع الحيرة والترقب من الظهور على ملامح وجهي وقلت في حذر:
- ماذا ستفعل بالضبط؟

ولكن الرجال أحاطوا بي من كل جانب ودفعوني إلى خارج الشقة والرجل يجيبني في شماتة واضحة:
- ستعلم كل شيء في قسم الشرطة.

كنت في حالة من الذهول والغضب حينما دفعني رجال الشرطة داخل سيارتهم وخرج جميع من في الحي الذي أسكن فيه يراقبون ما يحدث في دهشة وهم يتساءلون عن الجرم الذي ارتكبته هل جريمة قتل أم سرقة أم عملية إرهابية ؟!

وكانت فضيحة جعلتني أكاد أبكي من فرط القهر والغضب وسؤال واحد يتردد في أعماقي بكل ألم الدنيا..

هل سيتحمل أبي وقع الصدمة عندما يعلم ما حدث؟ هل ؟!

***

(أنا لا أفهم شيئا)

كانت هذه هي الجملة الوحيدة التي نجحت في تجاوز شفتيّ وأنا أقف أمام ضابط الشرطة مع فهمي وإبراهيم وجورج، والأخير بالذات يرتجف في رعب وفزع، فقال الضابط في صرامة تحمل شيئا من الوقاحة والغلظة:
- أنتما متهمان بالتآمر على مصر والرشوة مقابل تخريب أمنها الداخلي.

كانت الكلمات تفجر داخلي قنابل من الذهول والغضب حتى أنني صرخت دون أن أشعر:
- أي سخافة هذه؟ بل أي حماقة؟

فوجئت برجل شرطة ضخم يكبل حركتي من الخلف وآخر يندفع نحوي ويهوي على معدتي بلكمة قوية فشهقت في ألم وحاولت أن أنحني لكن الرجل نفسه قبض على عنقي بكل عنف الدنيا ليمنعني من الانحناء..

وبكل الصرامة والقسوة تراجع الضابط في مقعده وقال:
- يبدو أنك لا تفهم يا هذا.. أنتما متهمان بالخيانة وينتظركما حكم بالإعدام إذا تأكدنا من هذه التهمة.. وهي مسألة وقت فحسب.

ثم رمقني بنظرة صامتة تحمل كل مقت وغضب الدنيا وهو يضيف:
- وسأكون سعيدا حينما نلقي القاذورات من أمثالكم في صحيفة القمامة.

لم أستطع أن أرد الإهانة.. بل لم أستطع أن أفكر.. كنت ذاهلا بلا حدود وأشعر أن الدنيا كلها تدور من حولي.. أي خيانة؟ ما الذي يحدث هنا بالضبط؟
وهنا لاحظت جورج وقد انهار وبدأ يبكي في مرارة ويرتجف جسده في شدة.. وأصبحت واثقا أنه هو الوحيد الذي يفهم ما يحدث ويعرف السبب تماما.. وتذكرت في وضوح تلك الرموز التي ملأت الجروب في كل مكان والتي أصر جورج أنها مجرد عبارات ترحيبية لا تعني شيئا.. إنه يخفي شيئا ما حتما ولم يخبرني عنه.. هذا الحقير! سينتهي بنا الأمر إلى حبل المشنقة بسببه !

لم تكد أفكاري تصل إلى هذه النقطة حتى دلف إلى المكان شاب وقور وسيم يرتدي بدلة كاملة وابتسم لنا في هدوء وبساطة.. بدا مختلفا تمام الاختلاف وهو يتطلع إلينا في زيه المدني الذي يختلف عن الأزياء العسكرية التي تحيط به.. حتى طريقته في التحدث إلى من حوله كانت مختلفة..

جلس الرجل أمام الضابط وقال في هدوء:
- أعتقد أن دوركم قد انتهى عند هذا الحد أيها النقيب.

هز الضابط كتفيه وقال بلا مبالاه:
- هذا شأنكم.. ولكن ستصطحبكم سيارة شرطة حتى نتأكد من بقاء المتهمين تحت أعيننا طوال الوقت.. تذكر أنها لا تزال قضيتنا حتى يصبحوا بين أيديكم.

نهض الرجل وابتسم قائلا:
- لا بأس.

اتجه الرجل إلى الخارج ودفعنا رجال الشرطة خلفه حتى ركبنا معه في نفس السيارة التي انطلق بها في سرعة وجلسنا في المقعد الخلفي في حين انطلقت سيارة من سيارات الشرطة خلفنا تراقبنا طوال الوقت..

وبكل حذري وتوتري وانفعالي تساءلت وأنا أتطلع إلى الرجل في المقعد الأمامي:
- أين تذهب بنا؟

منحني الرجل ابتسامة بدت واضحة في مرآه السيارة الداخلية وأجاب:
- ستعلم كل شيء في حينه يا جلال.

لهجته الهادئة وبساطته واستخدامه لاسمي مجردا من أي ألقاب جعلني أشعر بشيء من الاطمئنان فنظرت إلى جورج الذي يجلس بجواري ولم يتوقف عن النحيب والبكاء لحظة واحدة وقلت له في غضب:
- ماذا فعلت أيها التعس؟!
ولم يرد جورج بحرف واحد..

وبعد نصف الساعة دخلت السيارة حي كوبري القبة واتجهت نحو منطقة بعيدة عن العمران نسبيا ثم توقفت أمام مبنى كبير يحمل أعلاه شعارا لنسر يأكل ثعبانا قصيرا.. لم أفهم معنى هذا الشعار ولكن جورج شهق في قوة وهتف في ارتياع:
- يا إلهي! يا إلهي!

صحت فيه:
- ما الذي أثار فزعك إلى هذا الحد؟!

لم يستطع أن يرد بحرف واحد وشحب وجهه حتى صار كالموتى فالتفت الرجل إلينا وأجابني في هدوء واثق:
- يبدو أنه تعرف على الشعار.

ثم أضاف بلهجة غامضة:
- شعار مبنى المخابرات العامة المصرية.

وهنا، غاص قلبي بين قدميّ..
وبمنتهى العنف..

2 التعليقات:

احداث من نار يادكتور
هنا تبين مصير الشباب حينما يتصرفون بدون مسؤولية ووعي وما اكثرهم
تسلم ايدك يادكتور في انتظار الباقي
خالص احترامي

 

كارمن
بالفعل هذه هي العبرة من هذا الفصل
نورتي القصة

بارك الله فيكم

 

إرسال تعليق