مملكة الإبداع

إنها مملكة أهديها إلى أعز الناس، وأحب الناس، وأغلى الناس، فهي من أرشدتني إلى إنشائها وإليها أهدي كل الكلمات..

ثورة على الفيس بوك.. جذور الثورة

في اليوم التالي استغرقت في النوم طول النهار ولم يحاول أحد إزعاجي حتى استيقظت مع غروب الشمس وتثاءبت في عمق وأنا أتجه إلى الحمام وغسلت وجهي وغمرت رأسي بالمياه حتى صار شعري يقطر الماء على ما حولي وعدت إلى غرفتي بهذا الشكل فوجدت أبي جالسا داخلها.. بادرته قائلا:
- صباح الخير يا أبي.

حاول أن يبتسم وهو يجيب:
- تقصد مساء الخير يا جلال.

ضحكت في توتر ويدي تسرع لتشغيل جهاز الكمبيوتر، ثم جلست أمام الشاشة وأنا أجيب:
- اعتبرني قد قلت كل ما يروق لك.

أدرك أبي أنني أحاول التهرب من أي مناقشة بيني وبينه، فكثيرا ما ينتهي حوارنا بالغضب أو التوتر أو الانفعال أو قد يتطور إلى أن يشمل المنزل بأكمله فنظل أياما لا نتحدث إلى بعضنا البعض بسبب سوء حالتنا النفسية.. كل هذا لأن حوار واحد بسيط قد بدأ بيني وبين أبي.. عادة ما يكون هادئا في البداية.. ثم يلتهب بسرعة.. وينتهي بانفجار هائل ينسف الاطمئنان من المنزل نسفا..

كنت قد اعتدت هذا السيناريو بسبب كثرة حدوثه فقررت الصمت تماما.. شعر أبي بالملل بعدها بدقائق فانصرف من الحجرة وهو يتنهد في عمق.. انتظرت دقيقة ثم أسرعت أغلق الباب خلفه وجلست وحيدا في غرفتي أمام شاشة الكمبيوتر.. بدأت جلستي كما اعتدت دوما بتصفح موقع الفيس بوك المحبب إليّ.. وقررت أن ألقي نظرة على الجروب الذي أنشأته مع إبراهيم وفهمي وأنا أقول لنفسي في سخرية:
- هل تراهن يا جلال أن الجروب لا يزال خاويا على عروشه؟

رسمت ابتسامة واسعة على شفتيّ وأنا أتخيل وجه إبراهيم حينما أخبره أن فكرته لم تنجح وأنا أضغط على رابط الجروب لفتحه..
وانتفض جسدي من فرط المفاجأة..
350 !

هل أهذي؟!

دققت النظر في عدد أعضاء الجروب مرة أخرى وأنا أقول لنفسي في ذهول:
- هل حقا بلغ عدد الأعضاء 350 شخص في أقل من 24 ساعة ؟!

ولكي أتأكد أن نظري ما زال سليما ضغطت على الزر الذي يتيح لي رؤية جميع الأعضاء ووجدت أمامي عدد كبير من أصدقائي الذين دعوتهم وأشخاص لا أعرفهم أيضا، فقلت لنفسي في مرح ممتزج بالدهشة:
- ويقولون أن الشعب المصري ليس إيجابيا ! هناك عشرة على الأقل أرسلوا دعوة إلى جميع أصدقائهم للانضمام إلى الجروب وهناك العشرات وضعوا الرابط على صفحتهم الرئيسية.. يا له من نجاح !

قفزت إلى الموبايل واتصلت بإبراهيم ولم أكد أسمع صوته حتى صحت في مرح:
- فكرتك عبقرية بحق يا صديقي.. أين رسوماتك؟ يجب أن نرفعها فورا.

غمغم في شك:
- هل نجح الأمر؟ ما الأخـ ..

صحت أقاطعه في انفعال:
- تعال فورا وأحضر معك كل ما رسمته في حياتك واصطحب فهمي معك أيضا.. لن تصدق أبدا ما سأخبرك به!

وأنهيت الحوار في ثقة..

***

مر يومان أخرج فيهما فهمي ابداعاته وفكاهاته المتميزة إلى الجروب ورفعنا عددا لا بأس به من تصميمات إبراهيم المضحكة وكنت أتولى إدارة الجروب في حماس وأنا أراه ينمو بسرعة تفوق كل التوقعات..

وفي اليوم الثالث كنت أتصفح الجروب ليلا حينما وجدت عضوا يدعو الأعضاء إلى الإشتراك في جروب آخر.. عقدت حاجبيّ وأنا أغمغم في ضيق:
- آه! هذه هي عواقب الشهرة إذن.. لقد زاد عدد الأعضاء عن الألف ولا ريب أن هذا العضو يريد استغلال نجاح الجروب للدعاية إلى جروبه الخاص.

عزمت على حذف ما يقوله لكنني توقفت فجأة حينما أدركت أن الجروب الذي يشير إليه يزيد عدد أعضائه بالفعل على المائة ألف عضو! فكرت في دهشة.. ما الذي سيستفيده حينما يعلن عن جروب مشهور كهذا في جروبنا المبتدئ؟
أجبرني هذا التساؤل على الدخول إلى الجروب الذي يعلن عنه.. كان إسلاميا بمعنى الكلمة يمتلئ بآيات القرآن والذكر وفيديوهات دعوية متنوعة للعديد من الدعاة الشباب والشيوخ الملتحين..
كان عالما جديدا ومختلفا تماما لم أحاول دخوله أو حتى القرب منه ولو من بعيد.. لكن هذه المرة شعرت أنني أريد أن أرى وأسمع كل ما يفعله هؤلاء.. شاهدت الفيديوهات وقرأت الكلمات فلانت نفسي وشعرت كيف أنني أخطأت في حقها بالبعد عن الله.. لم أشعر بعينيّ حينما انسالت منهما الدموع لتغرق وجهي وأنا لا أزال أتطلع إلى الشاشة.. انطلق عقلي وخفق قلبي كما لم يحدث من قبل.. وهنا فتح أبي باب الغرفة..
أدرت رأسي إليه في بطء.. لم أكن قادرا على التحدث ولكن الدموع كانت كافية للتعبير عن كل شيء..
وابتسم أبي..
ابتسم ابتسامة أبوية حنون صادقة ثم أغلق الباب خلفه وانصرف..

ومنذ هذا اليوم الذي شعرت فيه بلذة القرب من الله وحتى لحظة كتابة هذه السطور لم أتخلّ أبدا عن الصلاة والقرآن وبدأت في نشر مقطوعات دعوية على الجروب وارتفع عدد الأعضاء كل يوم على نحو ملحوظ..

وفي أحد الأيام جلست مع إبراهيم وفهمي في منزلي نناقش بعض الأمور حينما صمت إبراهيم فجأة واستغرق في التفكير حتى أنه لم يشاركنا الحوار فمال فهمي نحوي وقال في سخرية واثقة:
- إبراهيم يفكر في فكرة جديدة.

ابتسمت ونظرت إلى إبراهيم وأنا أشير لفهمي بالتزام الصمت.. تجمد الموقف كله لدقيقة واحدة ثم اعتدل إبراهيم فجأة في مجلسه وهتف في حماس:
- الترجمة.

رفع فهمي حاجبيه في دهشة في حين قلت أنا في حذر:
- ماذا تعني؟

اندفع يشرح في حماس:
- ما الذي يمنعنا من توسيع نشاط الجروب أكثر ليشمل الأجانب أيضا وليس فقط العرب؟ إنهم مغرمون أيضا بالفكاهة ونحن نعرف بعضا منهم بالفعل، لذا فالعقبة الوحيدة أمامنا هي عقبة الترجمة.

ثم هب واقفا وهو يضيف:
- سأستعين بصديقي جورج فهو طالب متفوق بكلية الألسن ويجيد ثلاثة لغات أجنبية إجادة تامة.. أعتقد أن الفكرة ستروق له.

خفق قلبي في قوة وأنا أتطلع إلى إبراهيم.. نعم.. ولم لا يكون نشاط الجروب عالميا ونقوم بنشر بعض الفيديوهات عن الإسلام باللغة الإنجليزية بحيث تظهر وكأنها نوع من الدعاية لجروبات أخرى في حين نستغلها نحن في الدعوة إلى الإسلام.. وجدت نفسي أهتف بنفس الحماس:
- خطوة رائعة يا إبراهيم.. اعرض عليه الأمر فورا.

***

جلس جورج معنا في حجرة منزلي وأنا أراقبه وهو يعدل نظارته الطبية فوق أنفه ثم يتنحنح قائلا:
- المعذرة يا شباب.. ولكنني مشغول للغاية في دراستي وكما تعلمون أحاول دوما أن أكون الأول على دفعتي ولا أحب أن يسبقني أحد في ذلك.. لذا يجب أن تخبروني ما جدوى كل ذلك وماذا سيعود علينا بالله عليكم بعد أن ينجح هذا الجروب؟ إن وقتي ضيق للغاية.

ابتسمت له وأجبته في هدوء:
- النجاح والانتشار يا جورج.. تخيل لو أننا أصبحنا ندير جروب يرتاده عشرات بل مئات الآلاف.. يمكننا حينئذ ان نستخدمه كقوة دعائية كبيرة ويلجا إلينا كل من يريد أن ينشر أفكاره فننشرها له بمقابل مادي مناسب.

كنت قد سمعت الكثير عن جورج هذا من إبراهيم وعلمت منه أنه من عشاق المال والشهرة.. فتحدثت معه باللغة التي يفهمها.. لاحظت عيناه تتألقان في شدة فانحنيت نحوه وأنا أتابع في صرامة:
- لن ننشر أي أفكار سيئة أو هجومية من أي نوع.

ارتبك لحظة وعاد يعدل نظارته على الرغم أنها مستقرة فوق أنفه تماما وقال:
- بالطبع.. بالطبع.

ثم نهض من مكانه في توتر وهو يسأل:
- متى تريدونني أن أبدأ؟

أجبته في قوة وسرعة:
- حالا.

سلمه فهمي الأوراق التي تحمل العبارات المطلوب ترجمتها إلى الإنجليزية ثم تركنا جورج أمام الكمبيوتر وخرجنا إلى الردهة كي نصلي المغرب في جماعة وقال فهمي في خفوت شديد:
- هذا الفتى لا يروق لي.

رتبنا أنفسنا للصلاة وأجبته بنفس الخفوت:
- لا تقلق يا فهمي.. لن أسمح له بتجاوز حدوده إن شاء الله.

***

(ما هذه الكلمات التي يكتبها الأعضاء على جدار الجروب؟)

كان هذا هو التساؤل الذي وجهته إلى جورج وهو يجلس بجواري أمام شاشة الكمبيوتر فارتبك هذا الأخير كعادته ثم اجاب:
- أنسيت أن الجروب الآن يضم أكثر من ألف عضو أجنبي؟ إنهم يتحدثون بالإنجليزية.

ابتسمت في سخرية وأنا أسأل:
- لاحظت ذلك يا جورج فيمكنني تمييز الإنجليزية.. إنني أسأل عن معنى هذه الكلمات.. إنها كلمات غير مفهومة.. ماذا تعنى بالضبط؟

ضحك بشكل مفتعل وهو يجيب ببساطة:
- اللهجة الأمريكية دوما معقدة.. إنهم يقولون أنه جروب متميز وأنهم سعداء بالانضمام إليه.

ملأني الشك حتى النخاع خاصة حينما وجدت الجدار بالكامل قد امتلأ بعشرات التعليقات الأجنبية الغير مفهومة ثم توقفت عيني عند كلمة (كرستيان) الإنجليزية وسألت جورج في صرامة هذه المرة:
- وماذا عن هذه؟

أجابني في ثقة شديدة:
- ماذا عنها؟ إنهم مسيحيون وهم يعلنون ذلك كما يعلن كل عضو مسلم عن ديانته.

ثم مال نحوي وهو يسأل بلهجة غامضة:
- هل تعتبر ذلك تجاوزا لحقوقهم أيها المدير؟

تراجعت في مقعدي وتطلعت إليه في صمت وقد بلغ مني الشك ذروته.. لم تكن هذه هي الكلمة الوحيدة التي جذبت انتباهي ولكن مئات الرموز التي لا أفهمها ولا أدرك سر وضعها هنا.. هل أثق في هذا الفتى؟!

ساد الصمت دقائق ثم تنهدت في عمق وقلت في أسف:
- يبدو أنه ليس أمامي سوى هذا.

،،،،،،،،،،،

4 التعليقات:

استرسال رائع يادكتور قصة هايل بكل المقاييس
متشوقة اعرف النهاية
ماتتأخرش علينا
تحياتي

 

السلام عليكم ..

ماشاء الله ..
بورك قلمك يادكتور ..
كالعادة أسلوب مشوق ، وجذاب ..

دمت مبدعاً ومتميزاً ..
في انتظار باقي القصة بإذن الله ..

موفق بإذن الرحمن ..

خالص إحترامي .
تقبل مروري .

 

كارمن
جزاكِ الله خيرا
والأحداث القادمة هتاخد شكل مختلف تماما وفيها مفاجآت غير متوقعة

بارك الله فيكم ،

 

فراشة زرقا..
جزاكم الله خيرا يا باشمهندسة

نورني مرورك وتعليقك وإن شاء الله تعجبك الأحداث القادمة..

بارك الله فيكم

 

إرسال تعليق