مملكة الإبداع

إنها مملكة أهديها إلى أعز الناس، وأحب الناس، وأغلى الناس، فهي من أرشدتني إلى إنشائها وإليها أهدي كل الكلمات..

ثورة على الفيس بوك .. مقدمة

اسمي جلال محفوظ.. طالب بكلية الحقوق جامعة القاهرة.. كنت دوما في كل مراحل تعليمي متوسط المستوى غير متميز على المستوى الدراسي أو الاجتماعي.. مجرد إنسان تقليدي إلى درجة مستفزة.. أنا كسائر شباب هذا الجيل مغرم بالكمبيوتر والإنترنت ولكنني أتميز عنهم بأنني أكثر خبرة ومهارة في استخدامهما وأفعل عادة ما لا يستطيع غيري أن يفعله..

نادرا ما أرى كليتي إلا في أيام الامتحانات عندما أكون مضطرا للحضور.. وإذا ذهبت فإنني أعود ليلا لأجلس مع أصدقائي على إحدى القهاوي المنتشرة في كل مكان لنحتسي عددا لا نهائي من أكواب الشاي وفناجين القهوة والسجائر وأحيانا الشيشة.. ثم أقضي الليل بطوله أمام الكمبيوتر أتصفح الإنترنت حتى الصباح فأنام حتى وقت متأخر من اليوم التالي.. وهكذا يستمر البرنامج اليومي بلا توقف..

كثيرا ما نصحني أبي وكلمتني أمي وأخبرني أعمامي أن موهبتي في استخدام الكمبيوتر لا يجب أن تذهب دون فائدة.. وأنني أقضي على نفسي بالجلوس على القهوة لساعات طويلة.. وأنني أدفن موهبتي بتصفح مواقع تافهة غير مفيدة ولا أحاول تطوير هواياتي واستغلالها بالشكل الأمثل.. وكان والدي بالأخص يتمنى أن أترك كل ما أفعل وأقوم بالتركيز في دراستي فقط وهو ما كنت أراه مستحيلا.. أي دراسة هذه التي سأنتهي منها لأجدني واحدا من آلاف الخريجين كل عام وأظل أنتظر في طابور لا نهاية له إلا الإحباط أو الجنون؟!

كنت مقتنعا بما أفعل.. لكنني كنت شديد البعد عن الله.. لم أكن أستمع إلى من ينصحني بالصلاة ويؤكد لي كم هي مهمة.. لم أكن أحب أن أستمع إلى الشيوخ أو أن أتفقه في ديني.. حتى السجائر لم أكن مقتنعا بخطورتها وكنت أوهم نفسي كغيري من الشباب بأنها رمز للرجولة و (الروشنة) !!

المهم.. جلست في أحد الأيام مع أقرب أصدقائي فهمي وإبراهيم على القهوة نتحدث عن بعض الأمور التافهة ونضحك في مرح كما اعتدنا دوما.. كان فهمي بارعا للغاية في تأليف نكت جديدة بسهولة وسرعة فننفجر بالضحك بلا توقف ثم يلقي كل منا دعابة لاذعة، ولكن إبراهيم عقد حاجبيه فجأة وقال:
- مهلا .. ألا تلاحظان شيئا ما؟

هتف فهمي في سخرية:
- بالطبع .. لقد توقفنا عن الضحك لخمس ثوان كاملة.

ضحكت أنا بصوت عال لكن إبراهيم تابع في جدية:
- كفى .. استمعا إليّ.

التزمنا الصمت ورفعت أحد حاجبي وأنا أستمع إليه وهو يقول:
- فهمي لا يتوقف كل يوم تقريبا عن تأليف وإبداع نكت جديدة.. وأنتما تعلمان أن العالم يحتاج إلى الفكاهة والمرح لكي ينسى كل المشاكل الطاحنة التي يمر بها.. وأنا أستطيع الرسم والتصميم.. وأنت يا جلال تستطيع استعمال الإنترنت جيدا.. هل تفكران فيما أفكر فيه؟!

ساد الصمت لحظات وحاولت أن أفكر في الأمر بقليل من الجدية ثم قلت:
- ما رأيك يا فهمي؟

هز فهمي كتفيه واسترخى في مكانه وهو يحتسي بقايا كوب الشاي مجيبا:
- إبراهيم يتحدث عن حياة جديدة وعن مشروع جديد وأنا شديد الرضا والاقتناع بحياتي.. إننا ننام ونأكل ونشرب ونخرج ونشاهد مباريات كرة القدم الممتعة ولا نحمل أي هموم! لماذا بالله عليكم أترك كل هذا النعيم وأفكر في مشروع قد ينجح وقد يفشل؟!

هتف إبراهيم في سخط:
- وهل تعجبكم هذه الحياة التي نعيش فيها عالة على غيرنا؟! لماذا لا نحاول على الأقل؟! ربما نجحنا في عمل أي تغيير!

لم أكن أرغب في استمرار المناقشة أكثر من ذلك، فنهضت من مكاني وأشرت إليهم وأنا اقول في ضجر:
- فليكن يا إبراهيم.. سنبدأ غدا في الإعداد لهذا الأمر.. ولكنني سأعود الآن إلى المنزل فأنا شديد الإرهاق.. أراكم غدا.

وأسرعت أبتعد وأنا أتثاءب في عمق..

***

فتحت باب منزلي ثم قفزت إلى الداخل في خفة وحاولت ألا أصدر أي صوت وأنا أغلقه خلفي، لكن أبي كان على وشك إنهاء صلاته في الردهة لذا فقد ناداني فور أن سلم عن يمينه وعن شماله، فاتجت إليه وأنا أقول في ضيق:
- تقبل الله يا أبي.

رمقني بنظرة صامتة طويلة ثم أجاب وهو ينهض عن الأرض:
- منا ومنكم يا جلال.. هذا إن نويت الصلاة وصبرت عليها يا بني.

هتفت في ضيق وأنا أحاول إنهاء الحوار:
- إن شاء الله يا أبي.. فقط عليك بالدعاء وعلى الله الهداية.

حمل أبي المصلية من الأرض ووضعها في ركن الردهة وهو يجيبني في مرارة:
- إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم يا بني.. أنت تحتاج إلى وقفة صريحة وواضحة بينك وبين نفسك حتى تغير اتجاه حياتك وتكون كلها لمرضاة الله وحده.

أجبته في عجلة وأنا أتجه إلى غرفتي بالفعل:
- إن شاء الله.. سأفعل إن شاء الله.

أمضيت ساعتين أتصفح موقع الفيس بوك الشهير وأتحدث مع زملائي عبر برامج الدردشة فوجدت فيديو قصير لا يتجاوز الخمس دقائق ولكن عددا كبيرا من اصدقائي نصحوني بمشاهدته ورأيت أحد الشيوخ الملتحين يظهر في الفيديو وقلت لنفسي في ضيق:
- ألا ينتهي هذا الوعظ أبدا؟!

رفضت الدعوة وأكملت ما كنت أفعله.. لم أكن أتصور أنني سأقلب شبكة الإنترنت رأسا على عقب بعد هذا الموقف بعدة ايام بحثا عن هذا النوع من الفيديوهات الدعوية وستتغير حياتي تماما.. وكان فضل الله عليّ عظيما..

***

(هيا يا جلال.. نريد الجروب باسم مميز)

هتف إبراهيم بهذه الجملة في انفعال وهو يجلس بجوار فهمي معي في حجرتي أمام شاشة جهاز الكمبيوتر الخاص بي وقد فتحت حسابي بموقع الفيس بوك وبدأت في إنشاء جروب جديد ليكون متخصصا في الفكاهة والمرح ثم أجبته في سخرية:
- هل تظن أن الاسم هو ما سيجعل الناس تشترك معنا في هذا الجروب الجديد؟؟

أجابني في ثقة:
- لقد قرأت كثيرا عن هذا الأمر.. الاسم عامل هام في نجاح أي مشروع ونقطة محورية تحدد اهتمام الناس به من عدمه.. اجعله اسما جذابا.. وليكن مثلا "جروب ضحكتكوا".

رسمت على وجهي علامات الامتعاض وأنا أنهي إجراءات إنشاء الجروب قائلا:
- ضحكتكوا !!.. أهو جروب على الفيس بوك أم أحد محلات الفول الشهيرة؟!

غرق فهمي في بحر من الضحك في حين بدأت أنقل كل النكت التي ألفها فهمي إلى الجروب وما إن انتهيت من ذلك حتى أرسلت دعوة إلى كل أصدقائي للانضمام إلى الجروب وغمغمت في ضيق:
- أتعشم أن يهتم واحد منهم فقط بالانضمام.

نهض فهمي وإبراهيم وقال الثاني في اهتمام:
- سأبدأ غدا في تصميم بعض الكاريكاتيرات والرسومات الفكاهية لكي ننشرها على الجروب.

ضغطت على شفتي السفلى ثم قلت في ضجر متوتر:
- فليكن.. السكانر موجود ويمكنني رفعها في دقائق معدودة.. ولكنني لا أتحمس كثيرا لكل ما نفعله.

هز إبراهيم كتفيه وهو يقول في غموض:
- من يدري؟!

ولم يكن أحدنا يعلم أن هذه اللحظة ستكون مجرد بداية لتغيير حياتنا وقلبها رأسا على عقب..

4 التعليقات:

السلام عليكم
اولا عودة قوية يادكتور من جديد
لا تتخيل مدي فرحتي باحياء المدونة مرة اخري
والاهم عودتك الي الكتابة
بلا شك قصة بارعة تفوق جميع ماقرأت فكرا ووصفا واسلوبا
يبهرني بك افكارك المتميزة دائما عن الجميع
فيمكنني تميز افكارك من وسط الف فكرة
حقا قد اسعدتني عودتك وتلك القصة بشدة وفي انتظار القادم باذن الله
خالص احترامي وتقديري

 

وعليكم السلام ورحمة الله
جزاكم الله خيرا
وأنا أسعد بمرورك وتعليقك

بارك الله فيكم ،،

 

السلام عليكم .

أولاً مبارك عودتك للمدونة من جديد ، حقاً أشتقنا لفكركم الراق وماتتخلله كتاباتكم من أهداف سامية ..

بارك االله فيك يا دكتور ،
القصة رائعة جداً ، وواقعية بالطبع ..

متابعين بإذن الله ..

تقبل مروري وخالص إحترامي ..
وعُذراً للتأخير ..

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ،

جزاكم الله خيرا يا باشمهندسة
بارك الله فيكم

اضاءت المدونة بمروركم الكريم..

 

إرسال تعليق