مملكة الإبداع

إنها مملكة أهديها إلى أعز الناس، وأحب الناس، وأغلى الناس، فهي من أرشدتني إلى إنشائها وإليها أهدي كل الكلمات..

ثورة على الفيس بوك.. رياح الثورة

مرت لحظات من الصمت بعد أن نطق الشاب بهذه الكلمة الأخيرة، انهار خلالها جورج تماما وأخذ يبكي وينتحب ويشهق كالطفل الذي انكسرت لعبته في حين تبادلت مع إبراهيم وفهمي نظرات صامتة تمتلئ بالقلق والتوتر..
ولكن الشاب حافظ على ابتسامته وهو يخرج من السيارة قائلا بلهجة آمرة:
- اتبعوني.

ولم يكن أمامنا سوى هذا، فسيارة الشرطة توقفت خلفنا مباشرة يراقب رجالها ما يحدث وأي محاولة للهروب من الموقف قد تزيد الطين بلة دون أي فائدة.. هذا هو ما دار في رأسي حينما وجدت الشاب يلتفت إليّ ويمنحني ابتسامة غامضة وكأنه قرأ ما أفكر فيه.. استسلمنا تماما ونحن نسير خلف الشاب ودلفنا إلى المبنى فانقبضت قلوبنا في عنف.. كان شديد الهدوء والبساطة والغموض أيضا على نحو جعلني أتساءل: هل هذا المبنى بالفعل يخص المخابرات المصرية ثالث أقوى أجهزة المخابرات في العالم؟!

مر الوقت بطيئا حتى وصلنا إلى حجرة كبيرة يجلس في مقدمتها رجل أشيب وقور خلف مكتب كبير، ويتطلع إلينا في صمت بنظرات فاحصة.. جلس الشاب أمامه ثم أشار إلينا بالجلوس وهو يقول للأشيب:
- جلال.. إبراهيم.. فهمي.. وهذا هو جورج يا سيدي.

ابتسم الأشيب وهو يُخرج ورقة كبيرة من درج مكتبه ويقرأها أمامنا في هدوء:
- جلال محفوظ.. طالب بكلية الحقوق جامعة القاهرة.. شديد المهارة في استخدام الكمبيوتر والانترنت.. وبالذات برامج التصميم كالفوتوشوب.. محترف في استخدام الشبكات الاجتماعية ونشر الأفكار الدعائية المختلفة وبالذات الفيس بوك.

قال الكلمة الأخيرة وهو يرمق جورج بنظرة غامضة فغاص هذا الأخير في مقعده وشحب وجهه كالموتى وقد توقف عن البكاء، في حين تابع الأشيب بنفس اللهجة:
- أما هذا فهو (فهمي أبو الفتوح).. طالب ...

استمر الرجل يقرأ في الورقة حتى وصل إلى نقطة معينة فعاد ينظر إلى جورج وتابع:
- (جورج ميلاد).. طالب متفوق بكلية الألسن جامعة القاهرة.. والمسئول عن الترجمة في ذلك الجروب الفكاهي الذي أنشأتموه سويا.. والذي استغل موقعه هذا في بعض الأمور التي لم نكن نتوقعها من شاب مصري مخلص مثله.

صاح جورج في انهيار:
- حسنا.. حسنا.. سأخبركم بكل شيء.. سأخبركم بكل شيء.

أزاح الأشيب الورقة وأنصت في اهتمام، فحاول جورج أن يتمالك نفسه ليتحدث وانتبه الشاب الذي يجلس معنا بكل حواسه، فقال جورج وهو يلوح بذراعيه في انفعال وتوتر:
- القصة من البداية رسالة انجليزية وصلتني من فتاة أمريكية تدعى (ميشيل كونواتشي).. أخبرتني فيها أنها معجبة بنشاط الجروب ومهتمة بالانضمام إليه وستدعو كل أصدقائها للانضمام فرحبت بذلك وأجبتها برسالة ترحيبية بسيطة.. في اليوم التالي أرسلت لي وقالت أنك تبدو المسيحي الوحيد في إدارة هذا الجروب لذلك فأنا أريد أن أستخدم الجروب في نشر مبادئ الديانة المسيحية باللغة الإنجليزية دون أن يتعارض هذا مع نشر مبادئ الإسلام باللغة العربية التي اهتم بها جلال.. كنت أشعر بالغيرة لأن الجروب صار إسلاميا صرفا.. حتى النشاط الفكاهي قل على نحو ملحوظ.. فوجدت في هذا فرصة لإضافة طابع جديد إلى الجروب وأرسلت إليها الموافقة مع رسالة تؤكد أنني أنا الوحيد المسئول عن النشاط الأجنبي في الجروب.. بعدها بأيام وجدتها ترسل لي طلب صداقة مع طلب لمعرفة بريدي الإلكتروني في أحد البنوك الإلكترونية لكي ترسل لي مبلغا بسيطا كعربون صداقة.. ظننت أنها تمزح لكنني أرسلت لها الإيميل بالفعل وأضفتها في برنامج المحادثة المباشرة.. وفوجئت بعدها برصيدي في بنك ألرت باي الإلكتروني يرتفع إلى 500 دولارا، اي ما يعادل تقريبا 2500 جنيه مصري! كل هذا لأنني سمحت لها بنشر ما تريد على الجروب!

قال الأشيب في صرامة غاضبة:
- ألم تفكر لحظة واحدة لماذا تهتم الفتاة بمنحك كل هذا المبلغ مقابل أمر تافه كهذا؟!

صاح جورج:
- كان الأمر كله لا يدعو للشك، فقد كانت تنشر بالفعل جمل مقدسة من الإنجيل أو حكم مسيحية بسيطة، حتى بدأت في نشر تلك الرموز.. رموز لم افهمها مطلقا، فأرسلت إليها كي أستفهم عن معناها وأجابتني ببساطة: لا تقلق سيكون كل شيء على ما يرام.

ارتسمت ابتسامة صفراء على شفتيّ الأشيب وهو يقول:
- بل قل أنها أرسلت لك صورتها ومعها بعض العبارات الرقيقة، مثل: لا تقلق يا عزيزي، أو مجموعة من الورود ومعها كلمة واحدة.

ومال نحوه مضيفا في صرامة مباغتة:
- أحبك.. أليس كذلك؟!

لم ينجح جورج في ابتلاع ريقه وهو يغمغم في عصبية:
- أنتم تعلمون كل شيء إذن!

التقط الأشيب ورقة أخرى من درج مكتبه وقال:
- ربما نعلم أكثر مما تتصور يا جورج.. (ميرا إيتان) فتاة إسرائيلية انضمت إلى تنظيم إرهابي جديد منذ فترة قصيرة، انتحلت خلالها أربعة شخصيات بأربعة جنسيات مختلفة، آخرهم شخصية الفتاة الأمريكية الفاتنة (ميشيل كونواتشي) التي كنت تتحدث معها يا جورج.

اتسعت عينا جورج في ارتياع ورعب رهيب هذه المرة فأضاف الأشيب:
- أما هذه الرموز فهي عبارة عن إشارات لتنفيذ عمليات إرهابية.. داخل مصر.

***

جلس فهمي مع إبراهيم في ركن منزلي يتحدثان في همس وهما ينظران إلى جورج الذي يجلس أمام شاشة الكمبيوتر وأنا أجلس بجواره أتابع ما يفعله في اهتمام، وقال فهمي متوترا:
- هل تظن أن الأمور ستمر بسلام؟

ضغط إبراهيم يده وهو يقول في حسم:
- اطمئن يا صديقي.. إنني لم أر أحدا أكثر دقة ومهارة من هؤلاء الرجال.. هذا الشاب انتحل شخصية جورج حتى أنني ظننته جورج الحقيقي.. لن ينتبه أحد إلى أن هذا الشاب ليس جورج، ولن يتخيل أحد أن جلال الضعيف في اللغة الإنجليزية سيتحدث كالأمريكان تماما خلال أسبوع واحد من خلال هذا الكورس التدريبي المكثف على يد أفضل الأساتذة والمتخصصين.

تساءل فهمي في قلق:
- وهل تظن أن هذه المنظمة الإرهابية لن تنتبه إلى حقيقته حينما نستدرجها لتجنيده؟

هز إبراهيم كتفيه وغمغم:
- أتعشم ألا يحدث هذا، فجلال شديد الذكاء والمهارة وهو الأجدر للقيام بهذه المهمة.

وتألقت عيناه مضيفا:
- لقد اقسمنا جميعا على بذل كل غال ورخيص حتى ننجح بإذن الله.. من أجل مصر.

***

تعلقت عيناي بأصابع جورج وهو يعمل بمهارة فائقة على الكمبيوتر ويتابع الجروب في نشاط وقلت له هامسا:
- هل تشرب فنجانا من القهوة يا سيادة المقد...

قاطعني بسرعة:
- أطبق فمك يا فتى.. أنا جورج.. إياك أن تنسى هذا.

ابتلعت ريقي ثم كررت:
- هل أعد لك فنجانا من القهوة؟

ابتسم في هدوء وقال:
- شكرا.. لا داعي.

كان يراجع الرسائل التي دارت بين جورج وميشيل في سرعة ودقة ثم بدأ يرسل لها رسالة جديدة بالإنجليزية، فقلت له في قلق:
- هل تظن أنها لن تكشف أمرك؟

هز رأسه وأجاب:
- محال.. لن تكشف شيئا بإذن الله.

مرت دقائق طويلة من الصمت حتى أرسلت ميشيل ردا على الرسالة، ففتحه جورج في سرعة وقرأه في اهتمام ثم ابتسم في ظفر، فسألته في لهفة دون أن أنتبه هذه المرة إلى أنني أستخدم لقبه الرسمي:
- ماذا حدث يا سيادة المقدم؟

تراجع في مقعده واتسعت ابتسامته في ارتياح ثم أجاب:
- إنهم يريدونني أن أقوم بالإشراف على الصفقة التالية.. وسنوقع بهم بإذن الله.

ثم التفت إليّ وربت على كتفيّ قائلا في ثقة:
- وبعد أسبوع واحد ستكون أنت ورقتنا الرابحة في قلب هذه المنظمة يا جلال.

وانقبض قلبي بين ضلوعي بمنتهى العنف.. والفزع..

ثورة على الفيس بوك .. وبدأت الثورة

مرت الأيام بسرعة وكنت في حالة دائمة من الاستقرار النفسي والهدوء، وتحسنت علاقتي دائمة التوتر بيني وبين أبي، وأصبح الجروب مع الوقت من أكبر الجروبات الفكاهية متعددة الأنشطة على الفيس بوك وتجاوز عدد أعضائه مئات الآلاف من المصريين والعرب والأجانب فبدأنا نستخدمه لأغراض دعائية ودعوية مختلفة..
ولكن الأمور انقلبت كلها فجأة رأسا على عقب..

كنت في المنزل أقرأ من مصحفي الصغير الذي لا أتركه أينما ذهبت حينما سمعت صوت سيارة تتوقف أمام المنزل وهي تطلق صريرا مزعجا.. لم أهتم وواصلت القراءة لكنني سمعت صوت أقدام ثقيلة وقوية تتجه نحو باب الشقة ثم ارتفعت الطرقات والخبطات تدوي على الباب في قوة.. لم يكن هناك أحد في المنزل سواي.. أوقفت القراءة ونهضت أفتح الباب في توتر..

فوجئت برجال الشرطة يندفعون داخل المنزل في صرامة ويدفعونني في شيء من الغلظة حتى أفسح الطريق أمام أكبرهم رتبة الذي اتجه نحوي وهو يرمقني بنظرة شديدة القوة والقسوة.. كان يرفع عينيه ويخفضهما ليفحص كل سنتيمتر من جسدي ثم قال:
- هل أنت ذلك المدعو (جلال)؟

لاحظت تلك اللهجة التي تحمل الكثير من الاستهتار والاستخفاف لكنني تجاهلتها ونصبت هامتي وأنا أجيب:
- نعم، هو أنا.. ماذا تريديون؟

لم يجيبني الرجل بل أشار إلى رجاله بتفتيش المنزل فاندفعوا إلى كل مكان يقلبونه رأسا على عقب مما جعلني أصيح في غضب:
- ماذا تفعلون؟ هل تحمل إذنا بالتفتيش؟

عقد الرجل ساعديه أمام صدره وهو يقول:
- سينتهى الأمر خلال دقائق معدودة.

لم تكد تمر خمس دقائق حتى عاد الرجال إلى الردهة حيث يقف قائدهم وأعلن كل منهم أنه لم يعثر على ما يثير الشكوك، فالتفت إليّ القائد وقال في شيء من السخرية:
- أعتقد أنه يحق لك أن تعلم لم نحن هنا بالظبط يا جلال.

لم أرد فقادني الرجل إلى غرفتي حيث أشار إلى جهاز الكمبيوتر وسأل في صرامة:
- من يستخدم هذا الجهاز يا فتى؟

أجبته في برود:
- أنا وأصدقائي، فهمي وإبراهيم وجورج.

تألقت عينا الرجل في شدة وهو يردد:
- أصدقاؤك؟

وبسرعة أشار الرجل إلى رجاله وهو يهتف بلهجة آمرة:
- ألقوا القبض على الثلاثة والحقوا بنا حيث سنذهب بهذا الفتى.

قال الكلمة الأخيرة وهو يبتسم لي ابتسامة صفراء فلم أستطع منع الحيرة والترقب من الظهور على ملامح وجهي وقلت في حذر:
- ماذا ستفعل بالضبط؟

ولكن الرجال أحاطوا بي من كل جانب ودفعوني إلى خارج الشقة والرجل يجيبني في شماتة واضحة:
- ستعلم كل شيء في قسم الشرطة.

كنت في حالة من الذهول والغضب حينما دفعني رجال الشرطة داخل سيارتهم وخرج جميع من في الحي الذي أسكن فيه يراقبون ما يحدث في دهشة وهم يتساءلون عن الجرم الذي ارتكبته هل جريمة قتل أم سرقة أم عملية إرهابية ؟!

وكانت فضيحة جعلتني أكاد أبكي من فرط القهر والغضب وسؤال واحد يتردد في أعماقي بكل ألم الدنيا..

هل سيتحمل أبي وقع الصدمة عندما يعلم ما حدث؟ هل ؟!

***

(أنا لا أفهم شيئا)

كانت هذه هي الجملة الوحيدة التي نجحت في تجاوز شفتيّ وأنا أقف أمام ضابط الشرطة مع فهمي وإبراهيم وجورج، والأخير بالذات يرتجف في رعب وفزع، فقال الضابط في صرامة تحمل شيئا من الوقاحة والغلظة:
- أنتما متهمان بالتآمر على مصر والرشوة مقابل تخريب أمنها الداخلي.

كانت الكلمات تفجر داخلي قنابل من الذهول والغضب حتى أنني صرخت دون أن أشعر:
- أي سخافة هذه؟ بل أي حماقة؟

فوجئت برجل شرطة ضخم يكبل حركتي من الخلف وآخر يندفع نحوي ويهوي على معدتي بلكمة قوية فشهقت في ألم وحاولت أن أنحني لكن الرجل نفسه قبض على عنقي بكل عنف الدنيا ليمنعني من الانحناء..

وبكل الصرامة والقسوة تراجع الضابط في مقعده وقال:
- يبدو أنك لا تفهم يا هذا.. أنتما متهمان بالخيانة وينتظركما حكم بالإعدام إذا تأكدنا من هذه التهمة.. وهي مسألة وقت فحسب.

ثم رمقني بنظرة صامتة تحمل كل مقت وغضب الدنيا وهو يضيف:
- وسأكون سعيدا حينما نلقي القاذورات من أمثالكم في صحيفة القمامة.

لم أستطع أن أرد الإهانة.. بل لم أستطع أن أفكر.. كنت ذاهلا بلا حدود وأشعر أن الدنيا كلها تدور من حولي.. أي خيانة؟ ما الذي يحدث هنا بالضبط؟
وهنا لاحظت جورج وقد انهار وبدأ يبكي في مرارة ويرتجف جسده في شدة.. وأصبحت واثقا أنه هو الوحيد الذي يفهم ما يحدث ويعرف السبب تماما.. وتذكرت في وضوح تلك الرموز التي ملأت الجروب في كل مكان والتي أصر جورج أنها مجرد عبارات ترحيبية لا تعني شيئا.. إنه يخفي شيئا ما حتما ولم يخبرني عنه.. هذا الحقير! سينتهي بنا الأمر إلى حبل المشنقة بسببه !

لم تكد أفكاري تصل إلى هذه النقطة حتى دلف إلى المكان شاب وقور وسيم يرتدي بدلة كاملة وابتسم لنا في هدوء وبساطة.. بدا مختلفا تمام الاختلاف وهو يتطلع إلينا في زيه المدني الذي يختلف عن الأزياء العسكرية التي تحيط به.. حتى طريقته في التحدث إلى من حوله كانت مختلفة..

جلس الرجل أمام الضابط وقال في هدوء:
- أعتقد أن دوركم قد انتهى عند هذا الحد أيها النقيب.

هز الضابط كتفيه وقال بلا مبالاه:
- هذا شأنكم.. ولكن ستصطحبكم سيارة شرطة حتى نتأكد من بقاء المتهمين تحت أعيننا طوال الوقت.. تذكر أنها لا تزال قضيتنا حتى يصبحوا بين أيديكم.

نهض الرجل وابتسم قائلا:
- لا بأس.

اتجه الرجل إلى الخارج ودفعنا رجال الشرطة خلفه حتى ركبنا معه في نفس السيارة التي انطلق بها في سرعة وجلسنا في المقعد الخلفي في حين انطلقت سيارة من سيارات الشرطة خلفنا تراقبنا طوال الوقت..

وبكل حذري وتوتري وانفعالي تساءلت وأنا أتطلع إلى الرجل في المقعد الأمامي:
- أين تذهب بنا؟

منحني الرجل ابتسامة بدت واضحة في مرآه السيارة الداخلية وأجاب:
- ستعلم كل شيء في حينه يا جلال.

لهجته الهادئة وبساطته واستخدامه لاسمي مجردا من أي ألقاب جعلني أشعر بشيء من الاطمئنان فنظرت إلى جورج الذي يجلس بجواري ولم يتوقف عن النحيب والبكاء لحظة واحدة وقلت له في غضب:
- ماذا فعلت أيها التعس؟!
ولم يرد جورج بحرف واحد..

وبعد نصف الساعة دخلت السيارة حي كوبري القبة واتجهت نحو منطقة بعيدة عن العمران نسبيا ثم توقفت أمام مبنى كبير يحمل أعلاه شعارا لنسر يأكل ثعبانا قصيرا.. لم أفهم معنى هذا الشعار ولكن جورج شهق في قوة وهتف في ارتياع:
- يا إلهي! يا إلهي!

صحت فيه:
- ما الذي أثار فزعك إلى هذا الحد؟!

لم يستطع أن يرد بحرف واحد وشحب وجهه حتى صار كالموتى فالتفت الرجل إلينا وأجابني في هدوء واثق:
- يبدو أنه تعرف على الشعار.

ثم أضاف بلهجة غامضة:
- شعار مبنى المخابرات العامة المصرية.

وهنا، غاص قلبي بين قدميّ..
وبمنتهى العنف..

ثورة على الفيس بوك.. جذور الثورة

في اليوم التالي استغرقت في النوم طول النهار ولم يحاول أحد إزعاجي حتى استيقظت مع غروب الشمس وتثاءبت في عمق وأنا أتجه إلى الحمام وغسلت وجهي وغمرت رأسي بالمياه حتى صار شعري يقطر الماء على ما حولي وعدت إلى غرفتي بهذا الشكل فوجدت أبي جالسا داخلها.. بادرته قائلا:
- صباح الخير يا أبي.

حاول أن يبتسم وهو يجيب:
- تقصد مساء الخير يا جلال.

ضحكت في توتر ويدي تسرع لتشغيل جهاز الكمبيوتر، ثم جلست أمام الشاشة وأنا أجيب:
- اعتبرني قد قلت كل ما يروق لك.

أدرك أبي أنني أحاول التهرب من أي مناقشة بيني وبينه، فكثيرا ما ينتهي حوارنا بالغضب أو التوتر أو الانفعال أو قد يتطور إلى أن يشمل المنزل بأكمله فنظل أياما لا نتحدث إلى بعضنا البعض بسبب سوء حالتنا النفسية.. كل هذا لأن حوار واحد بسيط قد بدأ بيني وبين أبي.. عادة ما يكون هادئا في البداية.. ثم يلتهب بسرعة.. وينتهي بانفجار هائل ينسف الاطمئنان من المنزل نسفا..

كنت قد اعتدت هذا السيناريو بسبب كثرة حدوثه فقررت الصمت تماما.. شعر أبي بالملل بعدها بدقائق فانصرف من الحجرة وهو يتنهد في عمق.. انتظرت دقيقة ثم أسرعت أغلق الباب خلفه وجلست وحيدا في غرفتي أمام شاشة الكمبيوتر.. بدأت جلستي كما اعتدت دوما بتصفح موقع الفيس بوك المحبب إليّ.. وقررت أن ألقي نظرة على الجروب الذي أنشأته مع إبراهيم وفهمي وأنا أقول لنفسي في سخرية:
- هل تراهن يا جلال أن الجروب لا يزال خاويا على عروشه؟

رسمت ابتسامة واسعة على شفتيّ وأنا أتخيل وجه إبراهيم حينما أخبره أن فكرته لم تنجح وأنا أضغط على رابط الجروب لفتحه..
وانتفض جسدي من فرط المفاجأة..
350 !

هل أهذي؟!

دققت النظر في عدد أعضاء الجروب مرة أخرى وأنا أقول لنفسي في ذهول:
- هل حقا بلغ عدد الأعضاء 350 شخص في أقل من 24 ساعة ؟!

ولكي أتأكد أن نظري ما زال سليما ضغطت على الزر الذي يتيح لي رؤية جميع الأعضاء ووجدت أمامي عدد كبير من أصدقائي الذين دعوتهم وأشخاص لا أعرفهم أيضا، فقلت لنفسي في مرح ممتزج بالدهشة:
- ويقولون أن الشعب المصري ليس إيجابيا ! هناك عشرة على الأقل أرسلوا دعوة إلى جميع أصدقائهم للانضمام إلى الجروب وهناك العشرات وضعوا الرابط على صفحتهم الرئيسية.. يا له من نجاح !

قفزت إلى الموبايل واتصلت بإبراهيم ولم أكد أسمع صوته حتى صحت في مرح:
- فكرتك عبقرية بحق يا صديقي.. أين رسوماتك؟ يجب أن نرفعها فورا.

غمغم في شك:
- هل نجح الأمر؟ ما الأخـ ..

صحت أقاطعه في انفعال:
- تعال فورا وأحضر معك كل ما رسمته في حياتك واصطحب فهمي معك أيضا.. لن تصدق أبدا ما سأخبرك به!

وأنهيت الحوار في ثقة..

***

مر يومان أخرج فيهما فهمي ابداعاته وفكاهاته المتميزة إلى الجروب ورفعنا عددا لا بأس به من تصميمات إبراهيم المضحكة وكنت أتولى إدارة الجروب في حماس وأنا أراه ينمو بسرعة تفوق كل التوقعات..

وفي اليوم الثالث كنت أتصفح الجروب ليلا حينما وجدت عضوا يدعو الأعضاء إلى الإشتراك في جروب آخر.. عقدت حاجبيّ وأنا أغمغم في ضيق:
- آه! هذه هي عواقب الشهرة إذن.. لقد زاد عدد الأعضاء عن الألف ولا ريب أن هذا العضو يريد استغلال نجاح الجروب للدعاية إلى جروبه الخاص.

عزمت على حذف ما يقوله لكنني توقفت فجأة حينما أدركت أن الجروب الذي يشير إليه يزيد عدد أعضائه بالفعل على المائة ألف عضو! فكرت في دهشة.. ما الذي سيستفيده حينما يعلن عن جروب مشهور كهذا في جروبنا المبتدئ؟
أجبرني هذا التساؤل على الدخول إلى الجروب الذي يعلن عنه.. كان إسلاميا بمعنى الكلمة يمتلئ بآيات القرآن والذكر وفيديوهات دعوية متنوعة للعديد من الدعاة الشباب والشيوخ الملتحين..
كان عالما جديدا ومختلفا تماما لم أحاول دخوله أو حتى القرب منه ولو من بعيد.. لكن هذه المرة شعرت أنني أريد أن أرى وأسمع كل ما يفعله هؤلاء.. شاهدت الفيديوهات وقرأت الكلمات فلانت نفسي وشعرت كيف أنني أخطأت في حقها بالبعد عن الله.. لم أشعر بعينيّ حينما انسالت منهما الدموع لتغرق وجهي وأنا لا أزال أتطلع إلى الشاشة.. انطلق عقلي وخفق قلبي كما لم يحدث من قبل.. وهنا فتح أبي باب الغرفة..
أدرت رأسي إليه في بطء.. لم أكن قادرا على التحدث ولكن الدموع كانت كافية للتعبير عن كل شيء..
وابتسم أبي..
ابتسم ابتسامة أبوية حنون صادقة ثم أغلق الباب خلفه وانصرف..

ومنذ هذا اليوم الذي شعرت فيه بلذة القرب من الله وحتى لحظة كتابة هذه السطور لم أتخلّ أبدا عن الصلاة والقرآن وبدأت في نشر مقطوعات دعوية على الجروب وارتفع عدد الأعضاء كل يوم على نحو ملحوظ..

وفي أحد الأيام جلست مع إبراهيم وفهمي في منزلي نناقش بعض الأمور حينما صمت إبراهيم فجأة واستغرق في التفكير حتى أنه لم يشاركنا الحوار فمال فهمي نحوي وقال في سخرية واثقة:
- إبراهيم يفكر في فكرة جديدة.

ابتسمت ونظرت إلى إبراهيم وأنا أشير لفهمي بالتزام الصمت.. تجمد الموقف كله لدقيقة واحدة ثم اعتدل إبراهيم فجأة في مجلسه وهتف في حماس:
- الترجمة.

رفع فهمي حاجبيه في دهشة في حين قلت أنا في حذر:
- ماذا تعني؟

اندفع يشرح في حماس:
- ما الذي يمنعنا من توسيع نشاط الجروب أكثر ليشمل الأجانب أيضا وليس فقط العرب؟ إنهم مغرمون أيضا بالفكاهة ونحن نعرف بعضا منهم بالفعل، لذا فالعقبة الوحيدة أمامنا هي عقبة الترجمة.

ثم هب واقفا وهو يضيف:
- سأستعين بصديقي جورج فهو طالب متفوق بكلية الألسن ويجيد ثلاثة لغات أجنبية إجادة تامة.. أعتقد أن الفكرة ستروق له.

خفق قلبي في قوة وأنا أتطلع إلى إبراهيم.. نعم.. ولم لا يكون نشاط الجروب عالميا ونقوم بنشر بعض الفيديوهات عن الإسلام باللغة الإنجليزية بحيث تظهر وكأنها نوع من الدعاية لجروبات أخرى في حين نستغلها نحن في الدعوة إلى الإسلام.. وجدت نفسي أهتف بنفس الحماس:
- خطوة رائعة يا إبراهيم.. اعرض عليه الأمر فورا.

***

جلس جورج معنا في حجرة منزلي وأنا أراقبه وهو يعدل نظارته الطبية فوق أنفه ثم يتنحنح قائلا:
- المعذرة يا شباب.. ولكنني مشغول للغاية في دراستي وكما تعلمون أحاول دوما أن أكون الأول على دفعتي ولا أحب أن يسبقني أحد في ذلك.. لذا يجب أن تخبروني ما جدوى كل ذلك وماذا سيعود علينا بالله عليكم بعد أن ينجح هذا الجروب؟ إن وقتي ضيق للغاية.

ابتسمت له وأجبته في هدوء:
- النجاح والانتشار يا جورج.. تخيل لو أننا أصبحنا ندير جروب يرتاده عشرات بل مئات الآلاف.. يمكننا حينئذ ان نستخدمه كقوة دعائية كبيرة ويلجا إلينا كل من يريد أن ينشر أفكاره فننشرها له بمقابل مادي مناسب.

كنت قد سمعت الكثير عن جورج هذا من إبراهيم وعلمت منه أنه من عشاق المال والشهرة.. فتحدثت معه باللغة التي يفهمها.. لاحظت عيناه تتألقان في شدة فانحنيت نحوه وأنا أتابع في صرامة:
- لن ننشر أي أفكار سيئة أو هجومية من أي نوع.

ارتبك لحظة وعاد يعدل نظارته على الرغم أنها مستقرة فوق أنفه تماما وقال:
- بالطبع.. بالطبع.

ثم نهض من مكانه في توتر وهو يسأل:
- متى تريدونني أن أبدأ؟

أجبته في قوة وسرعة:
- حالا.

سلمه فهمي الأوراق التي تحمل العبارات المطلوب ترجمتها إلى الإنجليزية ثم تركنا جورج أمام الكمبيوتر وخرجنا إلى الردهة كي نصلي المغرب في جماعة وقال فهمي في خفوت شديد:
- هذا الفتى لا يروق لي.

رتبنا أنفسنا للصلاة وأجبته بنفس الخفوت:
- لا تقلق يا فهمي.. لن أسمح له بتجاوز حدوده إن شاء الله.

***

(ما هذه الكلمات التي يكتبها الأعضاء على جدار الجروب؟)

كان هذا هو التساؤل الذي وجهته إلى جورج وهو يجلس بجواري أمام شاشة الكمبيوتر فارتبك هذا الأخير كعادته ثم اجاب:
- أنسيت أن الجروب الآن يضم أكثر من ألف عضو أجنبي؟ إنهم يتحدثون بالإنجليزية.

ابتسمت في سخرية وأنا أسأل:
- لاحظت ذلك يا جورج فيمكنني تمييز الإنجليزية.. إنني أسأل عن معنى هذه الكلمات.. إنها كلمات غير مفهومة.. ماذا تعنى بالضبط؟

ضحك بشكل مفتعل وهو يجيب ببساطة:
- اللهجة الأمريكية دوما معقدة.. إنهم يقولون أنه جروب متميز وأنهم سعداء بالانضمام إليه.

ملأني الشك حتى النخاع خاصة حينما وجدت الجدار بالكامل قد امتلأ بعشرات التعليقات الأجنبية الغير مفهومة ثم توقفت عيني عند كلمة (كرستيان) الإنجليزية وسألت جورج في صرامة هذه المرة:
- وماذا عن هذه؟

أجابني في ثقة شديدة:
- ماذا عنها؟ إنهم مسيحيون وهم يعلنون ذلك كما يعلن كل عضو مسلم عن ديانته.

ثم مال نحوي وهو يسأل بلهجة غامضة:
- هل تعتبر ذلك تجاوزا لحقوقهم أيها المدير؟

تراجعت في مقعدي وتطلعت إليه في صمت وقد بلغ مني الشك ذروته.. لم تكن هذه هي الكلمة الوحيدة التي جذبت انتباهي ولكن مئات الرموز التي لا أفهمها ولا أدرك سر وضعها هنا.. هل أثق في هذا الفتى؟!

ساد الصمت دقائق ثم تنهدت في عمق وقلت في أسف:
- يبدو أنه ليس أمامي سوى هذا.

،،،،،،،،،،،

ثورة على الفيس بوك .. مقدمة

اسمي جلال محفوظ.. طالب بكلية الحقوق جامعة القاهرة.. كنت دوما في كل مراحل تعليمي متوسط المستوى غير متميز على المستوى الدراسي أو الاجتماعي.. مجرد إنسان تقليدي إلى درجة مستفزة.. أنا كسائر شباب هذا الجيل مغرم بالكمبيوتر والإنترنت ولكنني أتميز عنهم بأنني أكثر خبرة ومهارة في استخدامهما وأفعل عادة ما لا يستطيع غيري أن يفعله..

نادرا ما أرى كليتي إلا في أيام الامتحانات عندما أكون مضطرا للحضور.. وإذا ذهبت فإنني أعود ليلا لأجلس مع أصدقائي على إحدى القهاوي المنتشرة في كل مكان لنحتسي عددا لا نهائي من أكواب الشاي وفناجين القهوة والسجائر وأحيانا الشيشة.. ثم أقضي الليل بطوله أمام الكمبيوتر أتصفح الإنترنت حتى الصباح فأنام حتى وقت متأخر من اليوم التالي.. وهكذا يستمر البرنامج اليومي بلا توقف..

كثيرا ما نصحني أبي وكلمتني أمي وأخبرني أعمامي أن موهبتي في استخدام الكمبيوتر لا يجب أن تذهب دون فائدة.. وأنني أقضي على نفسي بالجلوس على القهوة لساعات طويلة.. وأنني أدفن موهبتي بتصفح مواقع تافهة غير مفيدة ولا أحاول تطوير هواياتي واستغلالها بالشكل الأمثل.. وكان والدي بالأخص يتمنى أن أترك كل ما أفعل وأقوم بالتركيز في دراستي فقط وهو ما كنت أراه مستحيلا.. أي دراسة هذه التي سأنتهي منها لأجدني واحدا من آلاف الخريجين كل عام وأظل أنتظر في طابور لا نهاية له إلا الإحباط أو الجنون؟!

كنت مقتنعا بما أفعل.. لكنني كنت شديد البعد عن الله.. لم أكن أستمع إلى من ينصحني بالصلاة ويؤكد لي كم هي مهمة.. لم أكن أحب أن أستمع إلى الشيوخ أو أن أتفقه في ديني.. حتى السجائر لم أكن مقتنعا بخطورتها وكنت أوهم نفسي كغيري من الشباب بأنها رمز للرجولة و (الروشنة) !!

المهم.. جلست في أحد الأيام مع أقرب أصدقائي فهمي وإبراهيم على القهوة نتحدث عن بعض الأمور التافهة ونضحك في مرح كما اعتدنا دوما.. كان فهمي بارعا للغاية في تأليف نكت جديدة بسهولة وسرعة فننفجر بالضحك بلا توقف ثم يلقي كل منا دعابة لاذعة، ولكن إبراهيم عقد حاجبيه فجأة وقال:
- مهلا .. ألا تلاحظان شيئا ما؟

هتف فهمي في سخرية:
- بالطبع .. لقد توقفنا عن الضحك لخمس ثوان كاملة.

ضحكت أنا بصوت عال لكن إبراهيم تابع في جدية:
- كفى .. استمعا إليّ.

التزمنا الصمت ورفعت أحد حاجبي وأنا أستمع إليه وهو يقول:
- فهمي لا يتوقف كل يوم تقريبا عن تأليف وإبداع نكت جديدة.. وأنتما تعلمان أن العالم يحتاج إلى الفكاهة والمرح لكي ينسى كل المشاكل الطاحنة التي يمر بها.. وأنا أستطيع الرسم والتصميم.. وأنت يا جلال تستطيع استعمال الإنترنت جيدا.. هل تفكران فيما أفكر فيه؟!

ساد الصمت لحظات وحاولت أن أفكر في الأمر بقليل من الجدية ثم قلت:
- ما رأيك يا فهمي؟

هز فهمي كتفيه واسترخى في مكانه وهو يحتسي بقايا كوب الشاي مجيبا:
- إبراهيم يتحدث عن حياة جديدة وعن مشروع جديد وأنا شديد الرضا والاقتناع بحياتي.. إننا ننام ونأكل ونشرب ونخرج ونشاهد مباريات كرة القدم الممتعة ولا نحمل أي هموم! لماذا بالله عليكم أترك كل هذا النعيم وأفكر في مشروع قد ينجح وقد يفشل؟!

هتف إبراهيم في سخط:
- وهل تعجبكم هذه الحياة التي نعيش فيها عالة على غيرنا؟! لماذا لا نحاول على الأقل؟! ربما نجحنا في عمل أي تغيير!

لم أكن أرغب في استمرار المناقشة أكثر من ذلك، فنهضت من مكاني وأشرت إليهم وأنا اقول في ضجر:
- فليكن يا إبراهيم.. سنبدأ غدا في الإعداد لهذا الأمر.. ولكنني سأعود الآن إلى المنزل فأنا شديد الإرهاق.. أراكم غدا.

وأسرعت أبتعد وأنا أتثاءب في عمق..

***

فتحت باب منزلي ثم قفزت إلى الداخل في خفة وحاولت ألا أصدر أي صوت وأنا أغلقه خلفي، لكن أبي كان على وشك إنهاء صلاته في الردهة لذا فقد ناداني فور أن سلم عن يمينه وعن شماله، فاتجت إليه وأنا أقول في ضيق:
- تقبل الله يا أبي.

رمقني بنظرة صامتة طويلة ثم أجاب وهو ينهض عن الأرض:
- منا ومنكم يا جلال.. هذا إن نويت الصلاة وصبرت عليها يا بني.

هتفت في ضيق وأنا أحاول إنهاء الحوار:
- إن شاء الله يا أبي.. فقط عليك بالدعاء وعلى الله الهداية.

حمل أبي المصلية من الأرض ووضعها في ركن الردهة وهو يجيبني في مرارة:
- إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم يا بني.. أنت تحتاج إلى وقفة صريحة وواضحة بينك وبين نفسك حتى تغير اتجاه حياتك وتكون كلها لمرضاة الله وحده.

أجبته في عجلة وأنا أتجه إلى غرفتي بالفعل:
- إن شاء الله.. سأفعل إن شاء الله.

أمضيت ساعتين أتصفح موقع الفيس بوك الشهير وأتحدث مع زملائي عبر برامج الدردشة فوجدت فيديو قصير لا يتجاوز الخمس دقائق ولكن عددا كبيرا من اصدقائي نصحوني بمشاهدته ورأيت أحد الشيوخ الملتحين يظهر في الفيديو وقلت لنفسي في ضيق:
- ألا ينتهي هذا الوعظ أبدا؟!

رفضت الدعوة وأكملت ما كنت أفعله.. لم أكن أتصور أنني سأقلب شبكة الإنترنت رأسا على عقب بعد هذا الموقف بعدة ايام بحثا عن هذا النوع من الفيديوهات الدعوية وستتغير حياتي تماما.. وكان فضل الله عليّ عظيما..

***

(هيا يا جلال.. نريد الجروب باسم مميز)

هتف إبراهيم بهذه الجملة في انفعال وهو يجلس بجوار فهمي معي في حجرتي أمام شاشة جهاز الكمبيوتر الخاص بي وقد فتحت حسابي بموقع الفيس بوك وبدأت في إنشاء جروب جديد ليكون متخصصا في الفكاهة والمرح ثم أجبته في سخرية:
- هل تظن أن الاسم هو ما سيجعل الناس تشترك معنا في هذا الجروب الجديد؟؟

أجابني في ثقة:
- لقد قرأت كثيرا عن هذا الأمر.. الاسم عامل هام في نجاح أي مشروع ونقطة محورية تحدد اهتمام الناس به من عدمه.. اجعله اسما جذابا.. وليكن مثلا "جروب ضحكتكوا".

رسمت على وجهي علامات الامتعاض وأنا أنهي إجراءات إنشاء الجروب قائلا:
- ضحكتكوا !!.. أهو جروب على الفيس بوك أم أحد محلات الفول الشهيرة؟!

غرق فهمي في بحر من الضحك في حين بدأت أنقل كل النكت التي ألفها فهمي إلى الجروب وما إن انتهيت من ذلك حتى أرسلت دعوة إلى كل أصدقائي للانضمام إلى الجروب وغمغمت في ضيق:
- أتعشم أن يهتم واحد منهم فقط بالانضمام.

نهض فهمي وإبراهيم وقال الثاني في اهتمام:
- سأبدأ غدا في تصميم بعض الكاريكاتيرات والرسومات الفكاهية لكي ننشرها على الجروب.

ضغطت على شفتي السفلى ثم قلت في ضجر متوتر:
- فليكن.. السكانر موجود ويمكنني رفعها في دقائق معدودة.. ولكنني لا أتحمس كثيرا لكل ما نفعله.

هز إبراهيم كتفيه وهو يقول في غموض:
- من يدري؟!

ولم يكن أحدنا يعلم أن هذه اللحظة ستكون مجرد بداية لتغيير حياتنا وقلبها رأسا على عقب..