مملكة الإبداع

إنها مملكة أهديها إلى أعز الناس، وأحب الناس، وأغلى الناس، فهي من أرشدتني إلى إنشائها وإليها أهدي كل الكلمات..

تابع: موعد مع الكرامة.. الفصل الخامس

عندما التحم "عمر" ورجاله مع رجال السي آي إيه كان من الواضح أن خطته قد أثمرت..
لقد منعهم من النوم لفترة طويلة حينما كان يراقبهم طوال الوقت فانخفضت كفاءتهم في شدة ولم يعد أحدهم قادرا على التركيز وهو يطلق رصاصاته، في حين أمطرهم رجال المخابرات العربية بسيل من الرصاصات الصائبة الذي أخرج معظمهم من المعركة في اللحظات الأولى..
صحيح أن "عمر" أيضا لم يعد قادرا على المواصلة بعد هذا المجهود الغير البشري، وبعد كم الدماء الهائل الذي فقده، ولكنه استجمع كل إرادته ليحافظ على وعيه وتركيزه وهو يتذكر "جلال عدنان" البطل السوري الذي ضحى بحياته وتحمل ما لا يتحمله بشر في سبيل رسالته..
في سبيل الأقصى..
وكانت هذه الكلمة الأخيرة وحدها كافية لكي يزداد إصرار "عمر" على المواصلة مليون مرة..
وفي اللحظة نفسها التي كاد فيها يصل مع رجاله إلى حجرة المولد الكهربي، كان مدير السي آي إيه يصرخ بـ "أنجيل" في ثورة:
- ونحن الذين ظننا أن العرب لا يعرفون شيئا عن "إس جى 22"! يا للغباء! يا للسذاجة!!
صاحت "أنجيل":
- لن يمكنهم هزيمتنا يا سيدي.. رجالنا سيسحقونهم سحقا.. هذا المولد الذي يسعون لتدميره ليس مصدر الكهرباء الوحيد للمكان كما تعلم.. سيبدأ المولد الاحتياطي عمله بعد خمس ثوان فقط من تدمير الأول.
غمغم في توتر:
- ربما يعلمون هذا أيضا.
هزت رأسها نفيا وأجابت في ثقة:
- مستحيل.
أسرع المدير يضغط زرا فوق مكتبه ويقول لرجاله آمرا:
- انفصلوا إلى فرقتين، ولتستمر الأولى في تعقب هؤلاء العرب، وتتجه الثانية لحراسة المولد الإحتياطي.
وكان هذا يعني أن تنقلب الأمور..
كل الأمور..

*****

اقتحم "عمر" ورجاله حجرة المولد الأساسي في عنف وأسرعوا ينزعون فتيل بعض القنابل اليدوية ويلقونها نحو المولد..
ودوى الانفجار..
وانقطع التيار الكهربي عن المكان كله..
وفي لحظات، ساد التوتر والهرج والمرج والتخبط بين رجال السي آي إيه..
وداخل حجرة المدير، اتسعت عينا هذا الأخير وتحشرج صوته وهو يهتف:
- اللعنة !!
أرهفت "أنجيل" سمعها لكي تفهم ما أصابه، فالتقطت أذناها هدير قوي لعدة طائرات هليوكوبتر حربية تطير فوق المكان مباشرة..
وبعدها بلحظات بدأ المولد الإحتياطي عمله لتعود الأضواء وكاميرات المراقبة للعمل..
ولكن خلال هذه اللحظات كانت ثلاث طائرات قد تجاوزت بالفعل أسوار المكان وألقت بثلاثة فرق من الرجال المسلحين داخل المكان..
وتراجع رجال السي آي إيه أكثر أمام هذا الهجوم المزدوج..
وازداد حماس "عمر" ورجاله أكثر..
وصرخت "أنجيل" بكل حنق الدنيا:
- اللعنة عليهم! لقد سقط رجالنا بين شقي الرحي.
واندفعت تغادر حجرة رئيسها وقد قررت أن تقتل المسئول الأول عن كل هذا مهما كان الثمن..
تقتل "عمر"..

*****

"لن يصل أحدهم إلى (سبايدر) أبدا"
قالها مدير السي آي إيه في غضب رهيب وهو يضغط عدة أزرار أمامه، ليبدأ برنامج جديد شديد التعقيد في العمل..
لقد هبطت ألواح فولاذية أمام مداخل ومخارج المقر كله لتفصل كل من بداخله عن من هم خارجه..
وكان هذا هو الإجراء الأول الذي يمنع أي رجل جديد من دخول المقر، خصوصا بعد أن عاد التيار الكهربي يسري في أسوار المقر..
وأمام كل هذا، وبعد أن عادت الأضواء للمكان، واتجه كل رجال السي آي إيه نحو "عمر" ورجاله، أصبحت نجاتهم مستحيلة..
ولكن "عمر" أشار للرجال بالتقدم داخل المقر وهو يصرخ في حماس:
- الله أكبر.
والتقى الفريقان..
وعادت الرصاصات تحصد الجميع..
وأثبت العرب مرة أخرى أنهم الأكثر جرأة ومهارة..
وتراجع الأمريكيون أمامهم..
إلا "أنجيل"..
لقد اخترقت صفوف رجالها في جرأة وكأنها لم تعد ترى أحدا إلا "عمر"..
لن تسمح له بخداعها إلى الأبد..
لن تسمح له بالنجاة..
وبمنتهى الشراسة صوبت مدفعها إلى صدره وهي تصرخ:
- اذهب إلى الجحيم..
وانطلقت رصاصاتها في غزارة..

*****

امتزج دوي رصاصات "أنجيل" بتبادل إطلاق ناري عنيف بين الفريقين، انتهى بسحق معظم رجالها وتراجع الباقين في رعب، وسقط كثير من رجال المخابرات العربية أيضا، قبل أن يصرخ قائدهم "وصفي شامخ" في غضب:
- سيادة المقدم! كلا..
فأمام عينيه مباشرة اقتلعت رصاصات "أنجيل" "عمر" من مكانه وألقت به في الهواء ليرتطم بالأرض وهو ينزف في غزارة غير مسبوقة..
وبكل غضبه وألمه ومرارته أدار فوهة مدفعه إلى هذه الأخيرة وأطلق رصاصاته نحوها..
واستقرت إحدى رصاصاته في رأس "أنجيل" مباشرة، لتجحظ عيناها وتسقط جثة هامدة على الفور..
وفور أن هدأ القتال، أسرع "وصفي" الملازم الأردني وقائد رجال الكوماندوز نحو "عمر" وهو يصرخ في فزع:
- رباه! إنه ينزف بشدة.. لن يحتمل جسده هـ ..
ولكن "عمر" اعتدل في ضعف شديد وناوله ورقة كبيرة، فنظر إليها "وصفي" ووجد رسما تخطيطيا لمقر السي آي إيه بالكامل وقد حدد "عمر" موقع (سبايدر) بمنتهى الدقة على الرسم عن طريق دائرة ضخمة، ثم قال في خفوت والدماء تسيل من بين شفتيه ومن كل ذرة في جسده:
- الـ.. الأقصى.. أمانة بين أيديكم.
وتحجرت عيناه وهو يقول بمنتهى الضعف:
- هل تعلم؟ لكم كنت أتمنى أن أصلي يوما قبل أن أموت في المسجد الأقصى.
وارتسمت على شفتيه ابتسامة وهو يتابع:
- ولكن لو لم ننجح في حمايته فلن يتحقق هذا الأمل أبدا.. احرص على أن يظل الأمل قائما حتى يحققه أبناؤنا وأحفادنا في المستقبل.. هل تعدني يا "وصفي"؟
تطلع إليه "وصفي" في ألم وأومأ برأسه إيجابا، في حين شخص بصر "عمر" واتسعت ابتسامته التي بدت متناقضة مع الدماء التي تسيل من كل مكان في وجهه، وهو يقول في خفوت شديد وقد بدا كأنه يرى شيئا ما أمامه لا يراه الآخرون:
- الحمد لله الذي.. صدق وعده.. ونصر عباده في كل زمان ومكان.
وفور أن نطق الشهادتين صعدت روحه إلى بارئها، فنهض "وصفي" في حزم وتغلب على كل آلامه وأحزانه وهو يقول لرجاله بمنتهى الإصرار والقوة:
- هيا يا رجال..
وانطلق الجميع نحو هدف واحد..
(سبايدر)..

******

يتبع بإذن الله ،،

0 التعليقات:

إرسال تعليق