مملكة الإبداع

إنها مملكة أهديها إلى أعز الناس، وأحب الناس، وأغلى الناس، فهي من أرشدتني إلى إنشائها وإليها أهدي كل الكلمات..

موعد مع الكرامة.. الفصل الخامس

"يا له من فظ!"
قالها أحد رجال السي آي إيه القائم على حراسة المدخل الشرقي للمكان في سخط، فأسرع زميله الواقف بجواره يهتف:
- يا للشيطان! اغلق فمك يا رجل.. ربما يسمعنا.
صاح الأول وكأنما فاض به الكيل فلم يعد يهتم بأي شيء:
- وماذا في هذا؟ هل يغير من الأمر شيئا؟ ذلك اللعين لا يتوقف لحظة عن الحركة والانتقال بسرعة مدهشة من مكان لآخر، حتى أنه لا يسمح لأحدنا أن يطرف له رمش أو يغلق عينيه لحظة واحدة!.. ماذا يظن نفسه؟!
هتف الآخر:
- إنها أوامر السيدة "آدمز".. لقد أمرت أن نطيع أوامره بلا مناقشة.
ارتفع فجأة صوت صارم من خلفهما يقول بلهجة تجمد الدم في العروق:
- أحسنت يا رجل.
قفز الاثنان من مكانهما في ذعر، في حين أكمل "عمر" عبارته قائلا بنفس اللهجة:
- لن يعرف النوم طريقا إلى عيونكم أبدا حتى تحين لحظة الصفر.. هل تفهمان؟
أومأ الرجل الأول برأسه إيجابا في فزع وقد عجز عن النطق، فدار "عمر" على عقبيه وأسرع يراقب باقي المواقع، في حين ظلت "أنجيل" تراقبه من حجرتها عبر كاميرات المراقبة المنتشرة في كل مكان، وهي تقول لنفسها في ثقة:
- أحسنت يا "بيتر".
وفي سعادة انطلق عقلها متجاوزا الزمان والمكان وهي تتخيل اللحظة الحاسمة..
اللحظة التي يرسل فيها "سبايدر" إشارته الأوتوماتيكية إلى شبكة القنابل الموزعة بمنتهى الدقة طبقا لخريطة "إس جى 22" لينفجر الأقصى في لحظة واحدة ويتحول إلى أنقاض..
ارتجف جسدها على الرغم منها حينما تخيلت هذا المشهد ثم عادت تراقب "عمر" الذي يتحرك في المكان بمنتهى النشاط..
صحيح أن "بيتر" يبالغ بشدة في إجراءات الأمن ولا يسمح لرجل واحد بالنوم أو الاسترخاء لحظة واحدة، ولكن هذا لا يهمها ولا يثير قلقها نهائيا..
لقد تلقى رجالها تدريبات مكثفة ويمتلكون قدرة فائقة على تحمل المجهود الشاق وعلى مواصلة التركيز والانتباه لمدة أسبوع متواصل دون كلل أو ملل..
و "بيتر" يستطيع بكفاءته انتزاع كل طاقاتهم وشحن كل قدراتهم بذكائه المعهود..
كل شيء إذن يعني أن الأمور تسير كما خططت تماما..
وفي ثقة أكبر أطلقت ضحكة عالية جلجلت في المكان ورددت في ظفر:
- رجالنا كالأسود.. سيفترسون كل من تُسوِّل له نفسه الاقتراب من المكان.
نعم يا "أنجيل"..
رجالك كالأسود بالفعل..
ولكن الإيمان والعزيمة يحولان الرجل العربي إلى مخلوق أسطوري قادر على افتراس قطيع من الأسود..
وستثبت لكِ الساعات القادمة ذلك..

*****

"من الفرقة (ترمنيتور) إلى (الرأس المدبر).. نحن في مواقعنا وكل شيء يسير على ما يرام"
رفع أحد رجال السي آي إيه جهاز اللاسلكي إلى فمه وقال هذه العبارة في حزم وقوة، فجاءه الجواب بنفس اللهجة قائلا:
- من (الرأس المدبر) إلى (ترمنيتور).. أحسنتم.. ننتظر تقريركم الجديد بعد عشرة دقائق.
أغلق الرجل اللاسلكي ثم غمغم في ضجر شديد:
- هذا لو لم نسقط من شدة الإرهاق قبل أن نرسله.
سأله أحد رجاله في الفرقة (ترمنيتور):
- سيدي.. الرجال مرهقون بشدة.. هل يمكن أن نتناوب الحراسة و..
قاطعه القائد في صرامة:
- كلا.. هذا محظور تماما.. السيدة "أنجيل" ستقتل بنفسها كل من ينام لحظة واحدة الليلة.
ورفع صوته قائلا بلهجة مخيفة:
- هل سمعتم جميعا؟ لو سقطتم في النوم لحظة واحدة فلن تستيقظوا أبدا.
كانت عبارته كافية ليعود النشاط إلى أجساد رجاله، في حين اتصلت "أنجيل" بـ "بيتر" الذي يقف عند مدخل المقر وقالت في حزم:
- عشرة ساعات يا "بيتر".. عشرة ساعات فقط وستحصل بعدها على عشرة ملايين من الدولارات.
بدت لها لهجته عجيبة هذه المرة وهو يجيب:
- بالتأكيد يا سيدتي.
وقبل أن تتساءل عن سر هذه اللهجة لاحظت سيارة كبيرة للغاية تتجه مباشرة نحو المدخل الشرقي للمقر وتندفع كالصاروخ لترتطم ببوابته في عنف..
ودوى الانفجار..
وفي اللحظة نفسها انفصلت الفرقة التي تحرس البوابة الغربية إلى نصفين واتجه النصف الأول نحو البوابة الشرقية في حين ظل النصف الآخر يحرس المدخل الغربي..
وبسرعة البرق قفز "عمر" من مكانه وانطلق يعدو نحو حجرة "أنجيل" وهو يطلق رصاصات مدفعه ليطيح بكل من يعترض طريقه وينسف كاميرات المراقبة واحدة بعد الأخرى..
وبمنتهى الغضب والمرارة والحنق صرخت "أنجيل":
- خيانة !!
ولكن "عمر" لم يكن يهتم إلا بأمر واحد..
سيصل إلى مزود الطاقة الكهربية الذي حفظ مكانه عن ظهر قلب عندما أطلعته "أنجيل" على وسائل الأمن، وسينسفه نسفا حتى لو دفع حياته ثمنا لذلك..
وعلى شاشات الرصد لمحته "أنجيل" يعدو بكل قوته، وفهمت هدفه على الفور فصرخت في فزع:
- أوقفوا "بيتر".. إنه زائف.
واندفع الرجال من كل صوب نحو البطل..
وفي مهارة شديدة قفز "عمر" جانبا وتدحرج على الأرض وهو يطلق رصاصات مدفعه ليطيح بمن أمامه ثم يهب واقفا ويواصل العدو..
ولكن رصاصة صائبة اخترقت ظهره وأطاحت به مبنتهى العنف ليرتطم بالجدار ويهوي أرضا..
وعلى الرغم من الدماء التي تتفجر منه في غزارة والدوار الذي أحاط برأسه من كل جانب، نهض "عمر" مرة أخرى ليواصل عدوه..
ولكن رصاصة ثانية أصابت ذراعه الأيمن..
وثالثة في ساقه اليسرى..
وسقط البطل..
وفي لحظات لحق به رجلان وصوبا نحوه مدفعيهما في شراسة ودموية، فالتفت إليهما "عمر" وصرخ بكل قوته وهو يطلق رصاصاته:
- الله أكبر..
وانطلقت عشرات الرصاصات بالفعل..

*****

قبل أن يُطْلِق "عمر" تكبيرته كانت هناك قبلها بدقيقة واحدة تكبيرة أشد قوة تنطلق عند المدخل الشرقي..
لقد ظهرت فور ارتطام السيارة بالبوابة الغربية طائرة هليوكوبتر في سماء المكان وعبرت أسوار المدخل الشرقي ليقفز منها عشرات الجنود (الكوماندوز) وهم يكبرون ويهللون في حماس وأمطروا حراس البوابة بعشرات الرصاصات بعد أن انخفض عددهم في شدة فسحقوهم في لحظات، واندفعوا إلى الداخل..
ولمح رجال الكوماندوز جسد "عمر" الملقي أرضا فأسرعوا يمطرون رجال السي آي إيه برصاصاتهم في غزارة قبل أن يقتلوا هذا الأخير..
وفي ضعف، ابتسم "عمر" وقال:
- يا إلهي! لا زال في العمر بقية إذن.
عاونه رجال الكوماندوز على النهوض وهم يقولون باللغة العربية:
- المخابرات العربية.
غمغم "عمر":
- ماذا تعني بالمخابرات العربية؟
أجابه:
- أعني أننا فرقة تم اختيارها بمنتهى العناية من كافة أجهزة المخابرات العربية لتنفيذ هذه المهمة، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها أمر كهذا، وبهذه السرعة.
ابتسم "عمر" في ضعف وقال:
- حمدا لله.
وأسرع يلتقط مدفعه ويقودهم على الرغم من إصاباته إلى حجرة المولد الكهربي..
وخرج إليهم عشرات من جنود السي آي إيه..
وكانت مذبحة..
مذبحة باسم الكرامة..
وباسم الأقصى..

****

يتبع بإذن الله ،،

0 التعليقات:

إرسال تعليق