مملكة الإبداع

إنها مملكة أهديها إلى أعز الناس، وأحب الناس، وأغلى الناس، فهي من أرشدتني إلى إنشائها وإليها أهدي كل الكلمات..

قضبان من نار.. الفصل الثاني

تألقت أضواء قوية تنبع من آلة صغيرة أخذت تدور حول نفسها في بطء لتوزع أضواءها في كافة أركان معمل كبير، يضم العديد من المكروسكوبات الدقيقة، بعضها ضوئي وبعضها الكتروني ويتنوع البعض الآخر بين أجهزة تحاليل وفحص مختلفة، وتركزت أضواء الجهاز على عينة دقيقة قام دكتور "فيليب" بفحصها في صمت ودقة، حتى قال لزميله "محمود" الواقف بجواره:
- النتائج تتقدم بشدة.. تصور أن فيروس التهاب الكبد الوبائي (سي) لم يكن له علاج معروف منذ عام واحد.. الآن صار بين أيدينا أكثر من علاج، تزداد كفاءته يوما بعد يوم.

غمغم محمود:
- هذه هي القاعدة المعروفة يا فيليب.. ما خلق الله عز وجل داء إلا وخلق له دواء.. الأمر فقط يتوقف على مدى إيماننا بهذا وسعينا للحصول على الدواء المناسب.. لقد رأيت بنفسي محاولات ناجحة للقضاء على هذا الفيروس عن طريق الأعشاب.

مط فيليب شفتيه وغمغم وهو يفحص العينة أكثر:
- أظنه فاشلا.. أنا لا أؤمن إلا بالعلاج الكيميائي أو ذلك الناتج عن تطوير الحمض النووي.

راقبه محمود وهو يقول:
- يقولون في مصر (لكل شيخ طريقة) يا صديقي.

ضحك فيليب على الرغم منه وهو يقول:
- يا إلهي! تعجبني أمثالكم أيها المصريون.

ابتسم محمود وهو يتطلع إلى صديقه القصير ذو النظرات الحادة والذكاء الواضح في ملامحه، والذي يملك شعرا أشقر ناعم وابتسامة دائمة، ثم قال:
- من كان يظن أن "أنطوان فيليب" خريج كلية العلوم قسم الطفيليات من جامعة كامبريدج البريطانية الشهيرة سيلتقي يوما بـ"محمود سيف الدين" خريج كلية الطب جامعة القاهرة وسيجتمعان لكشف أسرار عدة أبحاث علمية تهز العالم وتغير مسار البشرية!

انطلقت ضحكة فيليب هذه المرة عالية مجلجلة على نحو ملفت للنظر وهتف:
- والمدهش حقا هو التناقض الواضح بيننا يا رجل، فأنت طويل أسمر بشدة ترتدي نظارة طبية، ذو شعر أسود مجعد، بينما أنا قصير أبيض البشرة، أضع عدسات زرقاء، ذو شعر أشقر ناعم.. هل تظن أنه ذلك الإختلاف الطبيعي بين الإنجليز والمصريين؟

التقط محمود العينة وأزاحه جانبا وهو يجيب في سخرية:
- بالضبط.. تماما كالفرق بين (واين روني) و (أحمد المحمدي).

قهقه فيليب ضاحكا حتى كاد يسقط أرضا، في حين جلس الإسرائيلي "إيزاك" في ركن المعمل مع زميل له، قائلا في خبث:
- هل أنهيت عملك يا "سباستيان"؟

هز الإيطالي "ماريو سباستيان" كتفيه بلا مبالاه وأجاب بنفس الخبث:
- أظنك قلت أن أمامنا شهرا كاملا.. يمكنني إعادة برج بيزا المائل إلى استقامته خلال تلك الفترة يا رجل، فما بالك بأمر كهذا؟

كان سباستيان قوي البنية صارم الملامح يتحدث طوال الوقت بلهجته الساخرة المستفزة، التي جعلت إيزاك يمط شفتيه قائلا:
- تروق لي بساطتك حقا يا ماريو! ولكن تذكر.. لا مجال للأخطاء.. الأمر الذي كلفنا به مستر "جون ماركوس" مدير المركز لا يحتمل القسمة على اثنين.

وتحولت لهجته إلى القسوة وهو يستطرد:
- تذكر يا صديقي.. إما النجاح.. وإما الموت.

توترت قبضة سباستيان وزاغت عيناه لحظة، ثم ابتسم في ارتباك وتوتر مغمغما:
- سننجح يا إيزاك.

كان محمود يتطلع إليهما في هذه اللحظة وقد توقف عن الفحص، ولكنه لم يستطع فهم كلمة واحدة من الحوار الذي دار بينهما، فسأل فيليب:
- بأي لغة يتحدثان؟

أجابه وهو يختلس النظر إليهما:
- العبرية.. ماريو سباستيان له أصول إسرائيلية، لذا فهو يجيد العبرية كإيزاك.

غمغم محمود:
- لا أشعر بالراحة تجاه هذا الأمر.

وكان على حق..

******

أعلنت الساعة الكبيرة المعلقة أمام مكتب مدير مركز الأبحاث الأمريكي الشهير تمام الخامسة مساء بتوقيت واشنطن، فاعتدل المدير "جون ماركوس" في اهتمام وضغط عدة أزرار في لوحة مفاتيح اللاب توب الموضوع أمامه، لتظهر على الشاشة صورة رجل أنيق أشيب الفودين، صارم الملامح، قال على الفور في اهتمام مماثل:
- ماذا وراؤك يا ماركوس؟

أجابه بسرعة:
- كل شيء على ما يرام يا سيدي.. تطوير "كيو 80" يتم بسرعة ودقة كما أمرت، وبعد شهر واحد سيعرف العالم أ..

قاطعه الأشيب:
- هذا الشهر يتضمن التجربة والتطبيق والتسليم يا ماركوس.. لا تنسى هذا أبدا.

ابتلع ماركوس لعابه ليقاوم جفاف حلقه وأجاب:
- كما تأمر يا سيدي.

وأنهى الاتصال في توتر..

2 التعليقات:

أسلوب رائع فعلاً بارك الله في هذا الخيال ..
أعجبني الوصف جداً والمقارنات ..
يزيد القصة جمالاً فوق جمالها ،،
أحداث تتابع في تسلسل مع تدرج التشويق فيها ،
ويزداد التشويق في نهاية الفصل كما أعتدنا ..


أسلوب رائع دكتور محمد فخري ..
بالتوفيق إن شاء الله لكليكما في باقي القصة ،
في انتظار القادم على شغف ..

خالص أحترامي وتقديري ؛؛

 

جزاكم الله كل خير باشمهندسة منة..

إنه لمن دواعي سرورنا أن ينال هذا العمل المتواضع إعجابكم وإطراءكم..

أنارت القصة برأيك وبمرورك الكريم الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من كيان هذه المدونة..

ونحن أكثر شغفا لقراءة آراء حضرتك، أكثر من شغف حضرتك لقراءة القصة :)

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم ،،

 

إرسال تعليق