مملكة الإبداع

إنها مملكة أهديها إلى أعز الناس، وأحب الناس، وأغلى الناس، فهي من أرشدتني إلى إنشائها وإليها أهدي كل الكلمات..

الحلقة الثانية من "تأملات".. احترس!! ليس هذا هو الحــب

احترس يا أخي!!
احترسي يا أختاه!!

ليس هذا هو الحــــــــــب!!

كثيرا ما صرخت بهذا داخلي.. كثيرا ما أكدت لي مئات المواقف وآلاف الحكايات وملايين العبر والعظات أن الحب ليس كما يتخيله أغلب شباب هذا الجيل..

أخي، أختي، أناشدكم أن تصغوا جيدا لما أقول.. أناشدكم أن تستمعوا إليّ بعقولكم وقلوبكم وأن تفكروا في كل كلمة وتقلبوها من كل وجه فالأمر حقا في منتهى منتهى الخطورة!

الحب مشاعر جميلة رقيقة دافئة رائعة..
الحب كلمة تحتوي بين حرفيها على كل معاني الرحمة والسكينة والطمأنينة والهدوء..

ما أجمله! وما أهم أن يكون في حياة كل منا أشخاص يحبهم ويحبونه.. ما أغلى أن تجد من يفهمك من نظرة عينيك.. من يفكر فيما تفكر فيه في نفس اللحظة.. من يشعر بما داخلك قبل أن تشعر أنت به!

الإنسان منذ نعومة أظافره يحتاج إلى الحب والحنان والأمان.. يحتاج إلى أب وأم يسهران على رعايته والحفاظ عليه.. يوجهانه ويغمرانه بكل معاني الرحمة.. يحتاج إلى أخ.. إلى أخت.. إلى أصدقاء..

ومع مرور سنوات عمره يحتاج المرء دوما إلى الطرف الآخر لكي تكتمل حياته وتكتمل سعادته.. فالرجل - كونه ذكر - يحتاج إلى زوجة مخلصة حنون تسهر على راحته وتوفر له كل ما يحتاج إليه من سعادة وهدوء وسكينة واطمئنان.. وفي المقابل تحتاج المرأة - كونها أنثى - إلى مشاعر الحب والجانب الذي تطمئن إليه والصدر الذي تركن رأسها إليه وتشعر بجواره بالأمان فإذا واجهتها الدنيا كلها وهي بجواره فإنها لا تشعر بأي قلق..

هذه طبيعة فسيولوجية بحتة خلقها الله تعالى في الإنسان، وإذا لم تكتمل حدث اختلال في حياة كل طرف، فلن يشعر الرجل بالاستقرار إلا إذا وجد المرأة التي تدفعه وتحضه ويواجه معها الحياة، ولن تشعر المرأة بالأمان إلا بجواره، وهذا الأمر بديهي لا يحتاج إلى إثبات ولكنني هنا على وشك تخصيص جزء من مقالي لأحدثكم عن الحـــب في الإسلام..

فما أجمله وما أعظمه وما أنقاه!

سأل عمرو بن العاص النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قال: ومن الرجال؟ قال: أبوها

ومن أعظم مشاعر الحب والاحترام والتقدير تلك التي كانت بين نبينا صلى الله عليه وسلم وبين زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها وهناك مواقف عديدة تثبت ذلك..

بعد موت السيدة خديجة بسنة تأتي امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتقول:
- يا رسول الله.. ألا تتزوج؟
فيقول عليه الصلاة والسلام:
- وهل بعد خديجة من أحد؟

وجدير بالذكر أن زواج النبي بكل زوجاته بعد السيدة خديجة كان إما بأمر إلهي مباشر وإما لأن متطلبات الدعوة قد اقتضت ذلك..

يوم فتح مكة يرى عليه الصلاة والسلام امرأة عجوز قادمة من بعيد فيترك الجميع ويخلع لها عباءته ويكلمها
فتسأل عائشة: من هذه التي أعطاها النبي وقته وحديثه كله؟
فيقول: هذه صاحبة خديجة
فتقول: وفيم كنتما تتحدثان يا رسول الله؟
فيقول: كنا نتحدث عن أيام خديجة
فغارت عائشة وقالت: أمازلت تذكر هذه العجوز وقد واراها التراب وأبدلك الله خير منها؟
فقال: والله ما أبدلني الله خير منها.. فقد واستني إذ طردني الناس وصدقتني إذ كذبني الناس
فشعرت السيدة عائشة بغضبه صلى الله عليه وسلم وقالت: استغفر لي يا رسول الله
فقال: استغفري لخديجة حتى أستغفر لكِ

يا الله! إلى هذه الدرجة.. بعد سنوات طويلة من موتها.. في كل لحظة يظل وفيا لها.. كيف كانت درجة الحب والتقدير والاحترام والحنان والرحمة والمودة بينهما إذن؟؟

ولا أحد يجهل قصة الملك المظفر سيف الدين قطز قائد المسلمين وهازم التتار الذي اشتهر بعفته وتقاه وقوته في الحق والذي نهضت على يديه الأمة وأحيا فيها سنة الجهاد وقاتل حتى مات شهيدا.. هذا الرجل عاش قصة حب طويلة ورائعة بينه وبين حبيبته جهاد ابنة خاله منذ نعومة أظافرهما وحتى بلغا مبلغ الشباب وتكللت بالزواج وعاشا معا في سعادة وحب وهناء حتى ماتت هي الأخرى شهيدة في معركة عين جالوت

ولا ننسى كلمتها الشهيرة الخالدة: "لا تقل وا حبيبتاه.. قل وا إسلاماه"

الحقيقة أريد أن أقف عند هذه الكلمة لكي أنتقل لتساؤل هام جدا يجب على كل منا أن يجيب عليه..

كيف تجمع أخي، كيف تجمعين أختي، بين حب الله ورسوله وبين الحب العفيف الطاهر الشريف؟

لماذا ارتبط الحب كمفهوم في أذهاننا أنه صد عن سبيل الله.. أن من يتعلق قلبه بامرأة أو من يتعلق قلبها برجل فقد فقدت حب الإسلام؟ كيف ذلك؟ ما العلاقة بين هذا وذاك أصلا؟؟

السبب الأول والأوحد في هذه المشكلة.. والذي ترتبت عليه كل مشكلات الحب في هذا العصر.. هو أن الشباب لا يرى الحب بمنظوره الحقيقي ولا يقدر مسئوليته حق التقدير..

أخي، اعلم أنك إذا أحببت فيجب أن تعاهد نفسك على أن يدفعك حبك إلى الأمام.. أن يكون محركا لك للعمل.. للنجاح.. للكفاح.. لكي تواصل الليل والنهار دون توقف.. لكي تنبذ النوم والكسل والتراخي.. اعلم أن الحب أخي يجب أن يكون إيجابيا.. فإن لم يكن كذلك فهو لعنة!!

ما فائدة كلمات الحب والعشق والهيام وقد كللتها العزلة والكسل والتراخي والتواكل؟؟
كيف يمكن أن تظفر بمن تحب وأن تعيش في سعادة إلى الأبد وقد اكتفيت بمشاعر سلبية تجذبك شيئا فشيئا إلى الخلف حتى تلقي بك محطما وشريدا؟؟

والأخطر من كل ذلك، أن العجز عن تحويل الحب إلى خطواته الفعلية الحقيقية وتحويله إلى زواج وحياة مستقرة هانئة يدفع الشباب إلى تحويله إلى سلوك شاذ وقبيح لا يرضى عنه الله، فتارة ينشغلون بسماع الأغاني العاطفية التافهة عديمة القيمة، وتارة يتجهون إلى الأفلام الهابطة المخلة اللعينة، وقد يصل الأمر إلى حافة الهاوية فيسقط في الزنا والزواج العرفي وما أكثر ما يحدث ذلك!!

لم كل هذا أخي؟؟ كل هذا لأنك لم تجتهد ولم يدفعك حبك إلى النجاح والعمل؟ كل هذا لأنك قد حولت بيديك حبك إلى لعنة! اعلم أخي أن الحب إن لم يدفعك إلى الأمام فهو حتما سيلقي بك في أعماق الجحيم!!

الأمر خطير، ولا تهاون فيه، فملايين القصص الشبيهة بقصتك قد انتهت بالفراق، أو بالانتحار، أو بالزواج الغير شرعي، أو حتى بالزنا ولا حول ولا قوة إلا بالله، والنتيجة أنك لم تدمر نفسك فقط بل دمرت حبيبتك ودمرت ذريتك وملأت المجتمع بأطفال لا يستطيعون الجهر بهويتهم ويعيشون إلى الموت أقرب منهم إلى الحياة..

فليكن، أقولها لكل من سمح للحب أن يدمره، سأمسك كتفيك وسأهزهما بكل قوتي وسأصرخ فيك لعلك تفيق مما أنت فيه!

أخي، الحب بريء من كل شيء، أنت الذي لم تنجح في استغلاله، أنت الذي ظننته لعبة، أنت الذي لهوت به حتى دمرك وحطمك.. وفي النهاية اعلم أن الله لن يحاسبك عن نفسك فقط، بل سيحاسبك على كل كلمة قلتها ولم تقدر مسئوليتها، وكل نظرة ألقيتها بغير حق، وكل تصرف كويت نفسك بناره دون أن تدري!

وإليكِ أختاه! كم أنتِ غالية.. كم أنتِ كريمة عند ربي.. لا تمنحي قلبك إلا لمن تتوسمين فيه أنه يأخذ الأمور بجدية وعزيمة وإصرار.. لا تسمحي لأحد أن يلعب بمشاعرك دون أن يجاهد بكل ذرة في كيانه أن تجمعكما حياة مشتركة وأن يكون حقا جديرا بكِ!

أنتِ أختي جوهرة نفيسة، ولن يقتني هذه الجوهرة إلا من أدرك أن الحب مسئولية هائلة وثقيلة وبذل كل طاقته في سبيل العفاف والتقوى والطريق الشرعي الوحيد الذي يرضاه الله لكِ..

وسيظل الحب على مر العصور والأزمان مشاعر راقية نبيلة جميلة..
وسيظل التعبير عنه طالما تقيد بالحدود الشرعية والآداب العامة متاحا وعفيفا..
ولكن، لآخر مرة، لو كان سلبيا ويدفعكم إلى الخلف ويدمر كل شيء..
فعذرا..

ليس هذا هو الحــــــــــب!!

4 التعليقات:

ما شاء الله ولا قوة إلا بالله ..

أسلوب رائع وموضوع شائك جداً ،،

أوضحته بمعاني جمة رائعة في سياق إسلامي ..

بارك الله فيك يا دكتور ..

و وفقك دائماً للخير ..

خالص احترامي وتقديري ؛؛

 

جزاكم الله كل خير يا باشمهندسة ،،

أشكرك على تذوقك للمقال، ومتابعتك المستمرة..

وفقنا الله وإياكم وبارك فيكم ،،

 

حقا , هكذا فليكن الحب , والا ما كان حبا علي الاطلاق
فالحب احساس لا تصفه كلمات , ترجمت الجزء الاسمي منه
رائع كعادتك
خالص احترامي

 

جزاكم الله خيرا ،،

خالص تحياتي ،،

 

إرسال تعليق