مملكة الإبداع

إنها مملكة أهديها إلى أعز الناس، وأحب الناس، وأغلى الناس، فهي من أرشدتني إلى إنشائها وإليها أهدي كل الكلمات..

نزيف القلوب ، أول عمل مشترك لـ ( محمد فخري & karmen )

(لماذا تقولان هذا؟؟)..

حاولت نرمين أن تتماسك وتحافظ على صوتها هادئا وهي تقول هذه العبارة، لكنه بدا حزينا باكيا كتلك الدموع التي تجمعت في عينيها، وهي تدير وجهها بين وجه أبيها تارة ووجه أمها تارة أخرى، فأجابها والدها في قوة:

- نحن أدرى منكِ بمصلحتِك.. أنتِ لا تزالي صغيرة، ومقاييس حكمِك على الأمور ليست ناضجة بما يكفي، لذا يجب أن تستمعي إلينا، نحن لدينا الخبرة التي تؤهلنا للاختيار المناسب، ولدينا..

قاطعته ابنته في حنق:
- ولكن ليس لديكم قلب!

بُهِتَ الأب من الكلمة فأطبق شفتيه وهو يتطلع إلى ابنته في دهشة، وفوجئ بالدموع تنهمر من عينيها وهي تنهض من فوق مقعدها وتقول في قوة:

- من قال أننا لا نستطيع الحكم على الأمور؟! من قال أن حياتنا تحتاج إلى من يدير دفتها ويقرر لنا مصيرنا في كل صغيرة وكبيرة؟! نعم، ليس لدي أدنى شك أنكم تريدون مصلحتنا، ولكن ما أدراكم أن مصلحتنا تكمن فيما تقولون؟! لِمَ لا تكون رؤيتنا نحن أصح وأفضل ولو مرة واحدة؟ أنتم الأكبر سنا، ولكن لا أحد يصيب دوما، وليس من المنطقي أن نكون نحن دوما على خطأ! اسمعونا، حاولوا أن تشعروا بنا، نحن لسنا دمية في أيديكم تحركونها كيفما شتئم.. نحن بشر، نشعر ونفهم ونستطيع أن نحكم على الأمور، وربما أفضل منكم! من قال أن تربيتكم لنا تعطيكم الحق في التحكم فينا وتسييرنا كيف شئتم؟! أنتم أبي وأمي، لكم عليّ الاحترام والتوقير، ولكن إياكم أن تستغلوا ذلك في قمع رغباتنا والتحكم فينا، فهذا ذل لا يشعر به إلا من هو في نفس موقفي.. إنه شاب مٌصَلِّي متدين يراعي الله في كل أموره، ومجتهد في حياته وله مستقبل رائع بإذن الله، ثم إنه يتحدث بوضوح وجاء إليكم من أقصر الأبواب وأقربها، فكيف لكم أن ترفضوه بسبب حالته الاجتماعية أو المادية أو غيرها من الأمور التافهة؟؟ ألن تحاولوا أن تشعروا بنا ولو مرة؟!

كانت المفاجأة كبيرة لوالد "نرمين" الذي لم يتعود من ابنته طلاقة اللسان وقوة الحديث، وحاول أن يفكر في كلامها لكنه لم يمنح نفسه الفرصة، ونهض بدوره قائلا في حسم:

- وأنا آمرِكِ بالبعد عنه ولقد رفضته ولن أقبل به، فإن كنتِ لا تزالين مصرة على قبوله فاعتبري انني قد مت وانسيني تماما، وسأقطع علاقتي بكِ وبذريتِك إلى الأبد، فافعلي ما تشاءين.

غادر مع والدتها المكان، وتركوها تبكي وتنتحب وتقول:
- يا إلهي! كيف لي أن أفعل ما أشاء وقد حرمتوني من أعز ما أملك وأعز ما أتمنى؟ كيف وقد هددتموني بطاعتي لكم وتلاعبتم بحياتي؟! لقد قضيتم عليّ ومزقتم قلبي، فولله لولا شدة إيماني لقتلت نفسي لأرتاح من هذه الدوامة التي أغرقتوني فيها.. ياليتني وُلِدْتُ يتيمة! ياليتني لم أركم يوما، وملكت حق الاختيار الذي نزعتوه مني بلا شفقة ولا رحمة!!

وانفجرت بالبكاء دون توقف..

****

لم تشعر بالعبرات وهي تسيل لتغرق وجنتيها وهي تقف بين يدي الله سبحانه وتعالي علي فرشة الصلاة وقد وجهت قلبها ووجهها الي الله تعالي تشكو همها وضيقها , رفعت يديها الي السماء قائلة :

يارب الهمني الرشد والصواب , اللهم ان كنت تعلم هذا الامر خير لي فيسره لي وان كنت تعلمه شر لي فاصرفه عني واصرفني عنه واجعل لي الخير حيث كنت ثم راضني به يارب العالمين , يارب لم يعد لي سواك ألجأ اليه , فاهدِ قلبي لرضاك وطاعتك

توجهت الي فراشها وقد أحست ببعض الاطمئنان وإن لم يفارقها القلق بعد , ظلت تفكر وتفكر , ماذا ستفعل بعد ان وضعها والداها في اصعب موقف , تنتابها مشاعر الضياع كلما تخيلت انها لن ترتبط به ثم ينتزعها احساسها بالذنب اذا لاح لها انها ستعارض والدها وتخالف رغبتهما

ظلت تفكر إلي ان سقطت في نوم عميق من شدة الارهاق والتعب ,

لم تدري كم مر من الوقت منذ ان اغلقت جفنيها ولكنها استيقظت فجأة علي صوت يقول :
لا تقلقي , الله معك.

انتفضت جالسة فوق فراشها في عنف وتناهى الي مسامعها صوت أذان الفجر , شعرت ببعض الاطمئنان والراحة , قامت واغتسلت وتوضأت وتوجهت للقاء ربها وقد بدأت تحسم القرار


تراقب شروق الشمس من نافذة حجرتها وقد بدأت الرؤيا تتضح امامها

كيف لها ان تتزوج دون موافقه اهلها

كيف لها ان تفرح وقد انتزعت سعادتهما

وهما من تعبا طوال السنين الماضية من أجلها

حتي وان اختلفا في وجهات النظر فلا احد يعلم فلربما غدا يراجعا موقفهما ويوافقا اذا علما في هذا سعادتها بالفعل


ارتاح قلبها عند هذه النقطة وعندما اكتمل شروق الشمس كانت قد حسمت قرارها .

****

سقطت دمعه ندم من عينيها وهي تراقبه مبتعدا في خطوات متثاقلة ولكن سرعان ما استعادت تماسكها قائلة :
هذا أفضل للجميع

سارت عائدة الي المنزل في قوة وكبرياء وهي تستعيد ذكريات ذلك اللقاء المؤلم :

-‏ لابد ان نفترق .

اجابها وقد كادت دموعه تسقط :

‏ ‏- لمصلحة من ؟

-‏ لأجل كلينا .

-‏ أهذا قرارك ؟

-‏ والداي قد حسما القرار .

-‏ وإرادتك ؟؟

-‏ لابد من الطاعة والاستسلام .

-‏ دون الرضا ؟

-‏ طاعتهما من طاعة ربي .

-‏ هذا ليس عدلا .

-‏ هذا عدل الله سبحانه وتعالي .

-‏ لا جدوي اذا ؟

-‏ ربما يبدلان رأيهما قريبا .

-‏ ربما ؟!

-‏ نعم ربما .

أطرق في الم فتابعت :

-‏ اذا فلترحل .

-‏ وداعا .

رحل يجتر الامه وتركها تراقبه من بعيد ثم أغمضت عينها في ألم وهمست وسط دموعها :
وداعا يا حلم عمري .

تمت بحمد الله

2 التعليقات:

ما شاء الله رائعة ،

سلمت أياديكم وبارك الله فيكم ..

في انتظار المزيد من الأعمال المشتركة ،

وفقكم الله ؛؛

تقبل مروري ..

 

ربنا يخليكي يا باشمهندسة ،،

وأحب أشكرك جدا على تنسيق القصة الأكثر من رائع اللي عملتيه على طريق العلوم، الحقيقة تحفة وأكيد أخد منك وقت وجهد كبير عشان يطلع بالصورة الجميلة دي..

خالص تحياتي وتقديري واحترامي ،،

 

إرسال تعليق