مملكة الإبداع

إنها مملكة أهديها إلى أعز الناس، وأحب الناس، وأغلى الناس، فهي من أرشدتني إلى إنشائها وإليها أهدي كل الكلمات..

تكملة الفصل الرابع

امتلأ ذلك الملهى الليلي المسمى (إيموراليتي) الواقع في ولاية (فرجينيا) الأمريكية بالضحكات والدخان والخمور، واكتظ بالرواد بشكل غير مسبوق، حتى أن رجلا طويلا أشقر الشعر، أزرق العينين هادئ الملامح، مفتول العضلات، أنيق، شديد الوسامة وجد صعوبة كبيرة في التقدم داخله وهو يهتف بالإنجليزية في حنق:
- تبا ! ماذا دهاكم اليوم؟
ثم اختار مائدة صغيرة واتخذ مقعدا أمامها وهو يشير إلى النادل هاتفا:
- أيها الرجل.. هل عدمت الفتيات عندكم؟! ألا توجد فتاة جميلة لرجل ثري؟
وأخرج رزمة كبيرة من النقود وهو يهتف بهذه الكلمة الأخيرة، ثم أخذ يضحك في تلذذ..
وعلى بعد عدة أمتار جلست (أنجيل آدمز) على مائدة أخرى بين عدة رجال مفتولي العضلات، ونظرت إلى الرجل الأشقر وهي تسأل رجالها:
- هل تعرفون هذا الرجل؟ لا أظن أنني رأيته هنا من قبل.
أجابها أحدهم في سخرية:
- لم أره من قبل أيضا.. ولكن هذه المدينة تمتلئ عن آخرها بأمثاله.. لعله يبحث عن المتعة مقابل المال كغيره.
صمتت لحظات ثم نهضت فجأة واتجهت إلى الأشقر ثم جلست بجواره مباشرة، فابتسم هو في سخرية وهو يهتف:
- بحق السماء! لقد طلبت فتاة جميلة ولم أطلب إحدى الملائكة! لا أظن أنني أمتلك المال الذي يساوي جمالك يا آنستي.
هتفت في شراسة:
- اخرس أيها القذر.. لست واحدة من هؤلاء.. ومن الأفضل لك ألا تحاول أن تعلم من أنا حتى لا يضع الناس الورود غدا على شاهد قبرك.. أنت من عليك أن تخبرني.. من أنت بالظبط؟
ارتفع حاجباه في دهشة وهتف بنفس السخرية:
- عجبا ! كيف لفتاة رقيقة مثلك أن تتحدث بهذه..
قفزت فجأة من مقعدها وجذبته بقوة رهيبة خارج مقعده لتجبره على الوقوف على قدميه فاستسلم لها وهو ينظر إليها وقد تحولت سخريته إلى توتر، في حين صاحت هي بنفس الشراسة:
- اسمع ايها الحقير.. من الواضح أنك لا تعلم من أنا وأن سوء حظك قد ألقاك في هذا المكان.. ستخبرني من أنت أو سأرسلك إلى الجحيم.
سكتت كل الأصوات داخل الملهى فجأة، ونظر الجميع في توتر إلى ما يحدث، في حين انعقد حاجبا الأشقر وهو يقول في صرامة:
- لن أتعارك مع فتاة.. وليس هذا هو الأسلوب المناسب للحصول على معلومة من (بيتر ثومبسون).
صرخت (أنجيل) وهي تركله بين قدميه:
- ربما كان هذا هو الأسلوب المناسب أيها الـ (بيتر).
ولكن (بيتر) تحرك بسرعة فتفادى الضربة ثم دفع وجهها بكفه في بساطة، فاختل توازنها وكادت تسقط أرضا فصرخ رجالها الخمسة في غضب وانقضوا جميعا على (بيتر)..
وهنا، نهض رجل آخر من أمام مائدة أخرى، يمتلك شعرا أشقر أيضا ويبدو شديد القوة والصرامة، وانضم إلى (بيتر)..
وفي مهارة، ضم (بيتر) قبضتيه واستقبل بهما وجه أحد الرجال، ثم قفز يركل الثاني في معدته، وهو يميل جانبا في الوقت ذاته متفاديا لكمة من رجل ثالث..
أما الرجل الأشقر الذي انضم إلى (بيتر) فقد قفز إلى الأمام وحطم أنف رجل رابع بركلة كالقنبلة، ثم دار حول نفسه وغاص بقبضته في معدة الخامس، ولم يكد ينحني حتى استقبلته ركبة الأشقر في أنفه مباشرة لتلقيه أرضا في عنف..
وفي لحظات، كان الرجال الخمسة يتوسدون الأرض بلا حراك، وعدل (بيتر) من هندامه وقال لـ (أنجيل) في سخرية:
- ربما تعلمتِ الآن كيف تتعاملين معنا يا فتاة.
ثم أشار إلى الأشقر وهو يتابع:
- آه! نسيت أن أقدم لكِ أخي.. (جاك ثومبسون).. وإذا أحسنتِ معاملتنا في المرة القادمة، ربما نخبرك مزيدا من التفاصيل عنا.
وفي سرعة، غادر الاثنان المكان فراقبتهما (أنجيل) في حنق، وهي تغمغم:
- لن تفلتا مني المرة القادمة.. هذا وعد..

****

اتجه (بيتر) و (جاك) مباشرة نحو منزل صغير يقع بالقرب من (إيموراليتي) وقال الأول للثاني في سخرية:
- لقد أثرت أعصابها بالفعل.
أجابه (جاك):
- وأثرت اهتمامها أيضا.
وأسرع الاثنان نحو حجرة كبيرة ودلفا إليها في رشاقة، ثم جلس (بيتر) على الفراش في حين جلس (جاك) على مقعد صغير أمامه مباشرة، وزفر في حرارة وهو يهتف بالعربية المصرية:
- فلندعو الله أن يقوم الرفاق بدورهم في الخطة كما يجب.
لم يكن (بيتر) سوى المقدم (عمر) ولم يكن (جاك) سوى الملازم (كمال)، ولقد أجاب (عمر) في بساطة:
- إنني أثق في عبقرية الإدارة وحسن تنسيقها للأمور، كما أثق في (حازم) تماما، وسيقوم بدوره على أكمل وجه إن شاء الله.
وفجأة، ارتفعت طرقات قوية على باب المنزل فنهض الرجلان وفتحا الباب في حذر، ليجدا (أنجيل) تقف أمامها وتنظر إليهما مباشرة، فابتسم (عمر) في سخرية وهتف:
- يا لها من ليلة! لا بد أنني أول رجل على وجه الأرض تطارده الملائكة أينما ذهب!
أطلقت (أنجيل) ضحكة عالية ثم قالت مع ابتسامة كبيرة:
- يا لك من رجل! تروق لي دعاباتك حقا.
وفي جرأة، أزاحت (عمر) جانبا ودخلت إلى المنزل، فأغلق الباب خلفها، وقال (كمال) في بساطة:
- مرحبا يا سيدتي.. لقد ازداد منزلنا المتواضع شرفا بـ ..
قاطعته (أنجيل) في صرامة وهي تتخذ أحد المقاعد وتضع ساقها اليمنى فوق اليسرى:
- دع عنك المجاملات والسخافات يا رجل.. أنا هنا لأسألكما بمنتهى الوضوح والصراحة.. من أنتما بالضبط؟؟
أجابها (عمر) في سرعة:
- صديقان.
ضاقت حدقتاها في شك، فتابع:
- نحن نبحث عن المال وبأي طريقة.. ومستعدون لأي شيء مقابل الحصول عليه.
ارتفع حاجباها وهي تقول:
- هذا يروق لي.
تابع (عمر):
- نحن لا نعلم اي شيء عنكِ حتى الآن.. كل ما في الأمر أنني لا أعلم مكانا في (فرجينيا) أكثر شهرة من هذه المنطقة، وعندما سألت رواد (إيموراليتي) عن أغنى اغنياء هذا المكان، أخبروني أنني لن أجد أفضل من (أنجيل آدمز).
صمتت (أنجيل) فاستطرد هو:
- خصوصا أنكِ تدفعين لرجالك بسخاء.. وأنني لا أتردد في فعل أي شيء مقابل هذا السخاء.
نهضت من مقعدها ونظرت إليه مباشرة وهي تسأل في صرامة:
- وماذا تظن أنه بإمكانك أن تقدم لي؟!
أجاب:
- الكثير.. يمكنني أن أعمل حارسا خاصا لكِ.
ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتي (أنجيل) ثم تحولت فجأة إلى ضحكة عالية مجلجلة، وهذه الأخيرة تقول في مرح:
- حارس خاص؟ يا إلهي! هل أنت أحمق يا رجل؟؟ إنني لم أحتج في يوم من الأيام إلى حارس أبدا.
شد (عمر) قامته وقال:
- لا يا سيدتي.. إنني لست بأحمق.. فكري في الأمر، وأنا رهن إشارتك دوما.
وكان هذا يعني ان الجولة الثانية قد بدأت..
وبمنتهى العنف..

****

في الليلة التالية، اتجه (عمر) المتنكر في هيئة (بيتر) إلى الملهى الليلي (إيموراليتي) وبحث بنظره عن (أنجيل) ثم اتجه إلى مائدتها مباشرة وجذب لنفسه مقعدا بجوارها، فتحفز رجالها لمواجهته، لكنها أشارت إليهم وقالت لـ (عمر) مع ابتسامة كبيرة:
- مرحبا بمستر (ثومبسون).. أين (جاك)؟
مط شفتيه وأجاب:
- لم يستطع الخروج الليلة.
اشارت (أنجيل) إلى النادل وطلبت منه كأسين من الخمر، فقال لها (عمر) في هدوء:
- هل فكرتِ في عرضي يا سيدتي؟
هزت رأسها نفيا دون أن تجيب، فصمت هو تماما حتى قالت في ضيق:
- أشعر بنوع من الضيق اليوم يا (بيتر) ولا أدري لماذا.. لكنني أحتاج إلى التعرف عليك أكثر.
وأشارت إلى الجميع وهي تقول بلهجة آمرة:
- هيا.. سننصرف فورا.
نهض الجميع فورا، واتجهت (أنجيل) إلى سيارتها مباشرة و (عمر) يسير بجوارها وخلفهما رجالها الخمسة..
وفجأة، قفز (عمر) جانبا وانتزع مسدسه وهو يصوبه إلى أحد الرجال الخمسة، فشهر الأربعة الآخرون مسدساتهم بدورهم نحو (عمر)..
وتوتر الموقف كله..

0 التعليقات:

إرسال تعليق