مملكة الإبداع

إنها مملكة أهديها إلى أعز الناس، وأحب الناس، وأغلى الناس، فهي من أرشدتني إلى إنشائها وإليها أهدي كل الكلمات..

جيئة وذهابا.. بين العقل والروح والجسد

جلست وحيدا في غرفتي أقلب بين كتبي وأنا اشعر بملل شديد..
ألا من شيء جديد؟؟

كل يوم يمر كما مر سابقه، لا تجديد ولا إبداع
لم أشعر يوما بالسعادة والصفاء إلا منذ أن التقت روحي بروحها فوق حدود المكان.. بين السحاب.. مرت كل الأزمنة والأوقات والأحيان كما تمر الشعرة خلال العجين..

تنهدت وأسندت رأسي إلى مقعدي وسرح عقلي إلى أبعد ما يكون..

لِمَ لا أتحول أنا إلى طيف؟؟ طيف لا يراه أحد ولا يسمعه ولا يشعر به.. طيف يستطيع النفاذ إلى كل مكان بلا حدود أو قيود..

وعلى غير العادة تحولت أمنيتي إلى حقيقة بأسرع مما توقعت..

أظلمت الغرفة وأغلقت عيناي في قوة ثم تنهدت في عمق وجسدي كله يتبخر ببطء مثير.. ها أنا ذا أتحول إلى طيف.. أمنيتي التي طالما داعبت خيالي.. أصبحت الآن حقيقة واقعة..

وطار طيفي عبر الجدران ليغادر منزلي في سعادة وهو يطير ويرفرف بجناحيه اللذيْن لم أعد أعلم هل هما موجودان بالفعل أم أن كل هذا مجرد وهم؟؟

على أي حال.. إنه أجمل وهم إذن..

وبسرعة البرق تجاوز طيفي الطرق والشوارع والأبنية والأبراج.. ارتفع إلى السماء في حرية.. ثم هبط فجأة بكل شوق ولهفة الدنيا ليتسلل عبر النافذة المغلقة لغرفتها ويجلس بجوارها على المقعد وقد انهمكت هي في قراءة رواية طويلة بكل حواسها وتركيزها..

وفي نعومة، تبخر طيفي وتحول إلى دخان خفيف شفاف ثم اخترق رأسها واحتل خلايا مخها في استمتاع وارتياح.. نعم إنها تفكر في الرواية.. يا الله! .. إنها تستمتع بها في شدة وتعيش مع كل لقطة وتتخيلها أمام عينيها.. هي قارئة محترفة إذن كما أخبرتني.. ونحن متشابهان في ذلك.. الحمد لله إن رحلة طيفي إلى فتاة أحلامي تبدو ناجحة إن شاء الله..

وفي نشاط، أخذ طيفي يقلب أفكارها ويسرح عبر ذكريات حياتها ويكشف كل الدفاتر والصفحات المطوية من طفولتها وشبابها.. كما أخبرتني تماما.. تفكر في الاجتهاد والعمل.. تفكر في الزواج والاستقرار.. تحلم بإنجاب طفلة صغيرة.. طفولتها سعيدة وتربيتها رشيدة وأسرتها مجيدة.. بالتأكيد سيخبرني قلبها أنه لم يدق لأحد قبلي حتى تكتمل فرحتي.. حسنا إذن لقد علمت كل ما أردته..

وفي نشاط أكثر انتشر الطيف إلى حدود أوسع ونطاق لا محدود ليكشف عن الأسرار المدفونة التي لا تظهر إلا لمن يطيل التعامل معها.. هي محترمة خلوقة.. متدينة ذكية.. صادقة أمينة اجتماعية ودود.. متسامحة طيبة..
يا الله!
تماما كما أدركت صفاتها وطباعها.. تماما كما تصورت ما لم تدركه تعاملاتي معها وكما استنتجت ما لم تصل خبرتي إلى كشفه وإظهاره.. الحمد لله..

هيا إذن.. تشجع وانتقل إلى هدفك الأعظم.. اذهب إلى القلب واسأله.. وسيمنحك الجواب الشافي.. لا تتردد.. هيا..

ولو كان الطيف يحمل قلبا لازدادت خفقاته ونبضاته وهو يتجه إلى قلبها ويكشف عن مكنونه في خوف وتردد..

وكانت الصدمة التي زلزلت كيانه وأعادته فورا إلى جسدي مرة أخرى من شدة الحزن والألم.. حتى طيفي لم يتحمل الصدمة فعاد إلى جسدي مسرعا لعله يتوارى من أمام أطياف الكون التي ظن أنها تراقبه في تشفِّ وتضحك على سذاجته وبلاهته..

هل فشل طيفي في احتمال الصدمة؟ وهل سينجح إذن جسدي الضعيف في تحملها؟؟

وبجسد هامد ويد مرتجفة، مددت ذراعي ألتقط سماعة الهاتف حتى أسألها بوضوح لعلها تكذب ما أخبرني به طيفي.. لعلها تخبرني أن قلبها لا يزال معي..

وقبل أن أرفع السماعة انطلق رنين الهاتف فاترعشت أوصالي.. ترى هل تكون هي؟ هل قرأت أفكاري وعرفت ما أخبرني به طيفي؟ هل يكون كاذبا؟؟

وفي تردد رفعت السماعة ووضعتها بجوار أذني ولم أعلق بكلمة واحدة، لكنني سمعت صوتها الناعم الدافئ يقول لأول مرة بكل جدية وصرامة الدنيا:

- صدقه ولا تكذبه.. لقد أخبرني طيفي أيضا أنك لم تحبني يوما..

حاولت أن أصرخ لكن صوتي احتبس في حلقي، وسقطت السماعة من يدي، وسمعت صوت ضحكة شيطانية تدوي في الأفق فرفعت بصري إلى الأعلى ورأيت الطيفان يتعانقان في حب وغرام وقد حطما تحتهما قلوب البشر!!

تمــــــــــــت
،،

4 التعليقات:

مزج بين لونين مبهرين في كتاباتك يادكتور

لون الرومانسي والفلسفي

اسلوب فوق الوصف

فكرة ولا اروع

احساس عال راق

دمت مبدعا

خالص احترامي وتقديري

 

جزاكم الله خيرا ،،

بالفعل شعرت أن فكرتي فلسفية أكثر منها خيالية، ولكنني قصدتها هكذا حتى يطلق كل قارئ العنان لأفكاره وطريقة استمتاعه الخاصة بأحداث الخاطرة..

أضاءت الخاطرة بمرورك الكريم وزادت إشراقا..

تحياتي ،،

 

فكر عال جدا ما شاء الله يا دكتور ،

تجربة مختلفة ولون جديد كما هو المعتاد من الكاتب الناجح ..

في انتظار المزيد من الإختلاف ..

دمت مبدعا ،

تقبل مروري ؛؛

 

جزاكم الله خيرا يا باشمهندسة ،،

تحياتي وخالص تقديري..

 

إرسال تعليق