مملكة الإبداع

إنها مملكة أهديها إلى أعز الناس، وأحب الناس، وأغلى الناس، فهي من أرشدتني إلى إنشائها وإليها أهدي كل الكلمات..

تكملة الفصل الثالث

(إنها خطة عبقرية بحق)..
قالها مدير المخابرات المصرية في إعجاب وهو يراجع الخطة التي أرسلها (عمر) من تل أبيب، فعقب مساعده قائلا:
- بالتأكيد.. تنكر (عمر) في هيئة (دافيد) وتنكر (كمال) في هيئة (عمر) أمور لن تخطر على بال الإسرائيليين.
أشار المدير بيده وهو يؤكد:
- بالإضافة إلى المعلومة الهامة التي حصلنا عليها من المقاومة الفلسطينية والتي تؤكد أن (أنجيل آدمز) أخطر نساء المخابرات المركزية الأمريكية - السي آي إيه - وأكثرهم قسوة، ستصل إلى إسرائيل خلال عدة ساعات.
هز مساعده كتفيه وأكمل مبتسما:
- ولم يكن من الصعب استنتاج أنها هنا من أجل (إس جى 22)، وأنها ستخاطب الموساد الذي يعلم كل تفاصيل هذا الأمر منذ البداية.
هز المدير رأسه موافقا، ثم قال في قوة:
- أخبره أن يبدأ في تنفيذ خطته على الفور.
وبدأت ساعة الخطر..

****

طرق (عمر) المتنكر في هيئة (دافيد) باب حجرة مدير الموساد، ثم دلف إلى الداخل، فرفع المدير رأسه إليه وهو يهتف:
- ما الذي حدث بالضبط بحق الشيطان؟ لماذا تأخرت؟
لاحظ المدير أن وجه (عمر) مغطى بالضمادات، وقال هذا الأخير بصوت متحشرج مبحوح:
- تبا لرجل المخابرات المصرية! لقد باغتني وجردني من سلاحي، ثم تعاركت معه بالأيدي العارية، وهو شديد المهارة والقوة، وأصابني بالعديد من الجروح والكدمات، وهشم أنفي وأسناني، ثم فر قبل أن أنتقم منه.
تجهم وجه المدير وغمغم في توتر:
- هذا الرجل شديد الخطورة بالفعل يا (دافيد).
صاح (عمر) في حنق:
- لن يفر مني إلى الأبد!
ثم تابع بصوته المبحوح:
- والأدهى أنني وجدت (إفرام إليعاذر) جثة هامدة بالفعل، بعد أن اعترضت سيارة كبيرة طريقه، فانقلبت سيارته، ولقى حتفه داخلها على الفور.
لوح المدير بيده وهو يهتف:
- فليذهب (إفرام) إلى الجحيم.. المهم أن (إس جى 22) لا تزال معنا.
وصلت رسالة فورية عبر الانترنت في هذه اللحظة إلى مدير الموساد، فقرأها هذا الأخير في سرعة، ثم ضغط زرا أمامه وقال آمرا:
- دعوها تدخل على الفور.
ارتسم التساؤل على وجه (عمر) فقال المدير في حزم:
- (أنجيل) وصلت.. كنت أنتظرها بالفعل.. لا بد أن هناك أمورا هامة تستدعي مجيء فاتنة مثلها لزيارة إسرائيل.
ضحك (عمر) وعقب في بساطة:
- ليتها مجرد فاتنة يا سيدي.. إنها - حسبما أتذكر - أكثر نساء الأرض جمالا.
ارتسم شبح ابتسامة على شفتي المدير ثم اختفى في سرعة حينما دلفت (أنجيل) إلى المكتب دون أن تطرق الباب..
ولك يكن (عمر) مخطئا على الإطلاق..
كانت فتاة طويلة، ممشوقة القوام، شقراء الشعر، خضراء العينين، شديدة النشاط، تبتسم طوال الوقت ابتسامة ساحرة جذابة، وتستخدم عطرا قويا ينتشر حولها لثلاثة أمتار على الأقل..
وكان الجميع يعلم جيدا أن هذه الفتنة تخفي خلفها قلبا ميتا قاسيا، لا يحب أحدا إلا نفسه فقط، ولا يعرف المشاعر، بل يقتل لأتفه الأسباب، ويستمتع بذلك إلى أقصى درجة، لذا فقد سألها المدير في حذر:
- ما هدف هذه الزيارة يا (أنجيل)؟
اتسعت ابتسامتها وهي تجيب في وضوح:
- تعجبني صراحتك يا عزيزي.. أنا هنا من أجل (إس جى 22).
سألها بنفس الحذر:
- ماذا عنها؟
أجابته في صرامة:
- ألم تسمع عما يحدث في تل أبيب منذ البارحة يا رجل؟ انفجارات وحوادث، ورجالكم يسقطون واحدا بعد الآخر، إنكم لا تصلحون للاحتفاظ بالخريطة.
هتف المدير معترضا:
- ولكننا..
قاطعته (أنجيل) في شراسة:
- لا تناقش يا هذا.. إنه أمر مباشر من السي آي إيه.. وأنا هنا لتنفيذه.
امتقع وجه المدير، فقد كان يعلم ماذا تعني أوامر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، في حين تابعت (أنجيل):
- كان هذا ما يجب أن يحدث منذ البداية.. الأمر كله سيصبح مهددا بالفشل لو بقيت الخريطة معكم.. ستظل الخريطة في أمريكا تحت سمعنا وبصرنا حتى تأتي اللحظة الحاسمة.
ثم صاحت في شراسة:
- هيا يا رجل.. أنا لا أتصف بالصبر.
نهض المدير في ضيق وضغط تتابعا معينا في لوحة صغيرة تزين الجدار الخلفي لمكتبه، التقطته عينا (عمر) المدربة الخبيرة، فانزاح غطاء متوسط الحجم يكشف تجويفا واسعا داخل الجدار، والتقط منه الخريطة ثم ناولها إلى (أنجيل) وهو يسألها:
- هل تحتاجين إلى حراسة؟
انفجرت ضحكتها عالية مجلجلة وهي تلتقط (إس جى 22) وتجيب في سخرية:
- (أنجيل) لم ولن تحتاج إلى أحد.
أشار المدير إلى (عمر) وقال آمرا:
- رافقها يا (دافيد) وتأكد من مغادرتها تل أبيب بنفسك.
ولك يكد الاثنان يغادران مكتبه حتى عاد المدير إلى مقعده وغمغم في حنق:
- أشعر أنني ارتكبت أكبر خطأ في حياتي..
ولم يكن يدري أنه ارتكب بالفعل غلطة حياته..

****

0 التعليقات:

إرسال تعليق