مملكة الإبداع

إنها مملكة أهديها إلى أعز الناس، وأحب الناس، وأغلى الناس، فهي من أرشدتني إلى إنشائها وإليها أهدي كل الكلمات..

الفصل الثالث

الفصـــــل الثالث
اعتصر الألم قلب (عمر) واشتعل الغضب في أعماقه حينما قيد رجال الموساد معصميه ودفعوه داخل سيارة صغيرة، ثم جلس رجل عن يمينه وآخر عن يساره، في حين ظهرت سيارة أخرى في الأمام، وثالثة في الخلف..
جلس (إفرام) في السيارة الأمامية بين رجاله وهو يبتسم في ارتياح وظفر، ولا يتوقف لحظة واحدة عن النظر حوله..
وفي السيارة الوسطى، شرد ذهن (عمر) تماما وهو يفكر في الوضع الحالي ويقلبه من كل جهة لعله يهتدي إلى المخرج..
هل انتهى الأمر؟؟
هل ستنجح إسرائيل في تنفيذ خطتها ونسف المسجد الأقصى؟!
هل فشلت مصر في إيقاف هذه المؤامرة القذرة؟؟
ولكن مهلا.. لو فشلت مصر فليست هي فقط من يهمها أمر الأقصى..
كل المسلمين والعرب يسعون إلى الهدف نفسه، ولو في السر..
كل مسلم على وجه الأرض متضامن مع الأقصى ولو بالدعاء..
أثارته هذه الفكرة، فرفع عينيه إلى السماء وقال في خشوع:
- ساعدني يا رب.
وكأنما اخترق هذا الدعاء السماوات السبع في لحظة واحدة، فجاءت الاستجابة بأسرع مما يتوقع..
ففي أقل من دقيقة، ظهرت فجأة سيارة كبيرة من طريق جانبي واندفعت تقطع الطريق أمام سيارات الموساد مباشرة، فصرخ سائق السيارة الأمامية التي يوجد (إفرام) بداخلها وهو ينحرف بعيدا في عنف:
- ماذا يفعل هذا المجنون؟!
ومع انحرافه المباغت، ارتطمت سيارته برصيف الشارع ودارت حول نفسها ثم انقلبت رأسا على عقب، في حين نجح سائق السيارة الوسطى التي يقبع (عمر) داخلها في السيطرة عليها والتوقف في آخر لحظة، لكن سائق السيارة الخلفية فشل في ذلك، فارتطمت سيارته بحقيبة السيارة الوسطى وانقلبت في عنف..
ولم ينتظر (عمر) لحظة واحدة..
فقبل أن يحدث أي ارتطام، انحنى إلى اليسار وركل وجه الرجل الذي يجلس عن يمينه بقدمه اليمنى ثم ركل مدفعه الرشاش بقدمه اليسرى..
وطار المدفع ليحطم زجاج السيارة ويهوي خارجها في نفس اللحظة التي حدث فيها الارتطام، لكن (عمر) ضم قبضتيه وهوى بهما على وجه الرجل الآخر..
وبعد لحظات، ظهر وجه رجل ذو ملامح عربية يمد إليه يده عبر النافذة المحطمة ويصرخ:
- هيا يا رجل.. اعطني يدك.
قفز (عمر) يلتقط يد الرجل بيديه المقيدتَيْن، ووثب خارج السيارة ثم انطلق يعدو بعيدا عن المكان مع منقذه..
وخلفهما، انفجرت السيارات الثلاث بمنتهى العنف..
وبسرعة، حل الرجل الذي أنقذ (عمر) القيود عن معصمي هذا الأخير، فهتف في لهفة:
- من أنت يا رجل؟ هل استجاب الله لدعائي وأنزل ملائكة تؤازرني؟
ناوله الرجل مسدسا كبيرا وهو يقول في صرامة:
- خذ هذا أولا.. يجب أن نبحث عن مخبأ.
ظل (عمر) على ذهوله وهو يتحرك مع الرجل، هاتفا:
- ولكنني مازلت أحمل وجه هذا الوغد (إفرام)!! كيف علمت أنني..
قاطعه الرجل في حزم:
- اسمك (عمر عبد اللطيف).. مقدم بالمخابرات العامة المصرية.. كيف يمكن لمثلي أن لا يعرفك؟؟
ردد (عمر):
- مثلك؟
أومأ الرجل برأسه وأجاب:
- نعم.. أنا ملازم أول (جلال عدنان)، المخابرات السورية.
اتسعت عينا (عمر) في دهشة وهتف:
- يا إلهي! لقد استجاب الله دعائي إذن.
وقبل أن يعلق (جلال)، انطلقت فجأة رصاصة من مكان ما، استقرت في ساعد (عمر) وألقته أرضا وهو يتأوه في ألم، فحاول (جلال) أن يبحث عن مصدر الرصاصة، لكن رصاصة ثانية صائبة أطارت مسدسه من بين أصابعه، وبرز أمامهما رجل طويل، شرس الملامح يبتسم في قسوة ويصوب إليهما مسدسه الذي يتصاعد من فوهته الدخان..
كان (دافيد)..
مساعد مدير الموساد..

****

احمر وجه (جلال) كالطماطم من شدة الغضب، واشتعلت عيناه كجمرتين من النار وهو يرمق (دافيد) بنظرة مخيفة دون أن يخيفه المسدس الذي يصوبه إليه، لكن (دافيد) بادله النظرة بمثلها وهو يقول في قسوة:
- أغبياء! دائما أغبياء وستظلون أغبياء!
وضحك في سخرية وهو يتابع:
- تأتون إلى مدينتنا بوجوه مكشوفة وتلقون بأنفسكم تحت رحمتنا ثم تظنون أنكم ستتغلبون علينا ! هل هذا غرور أم حماقة؟
أجابه (عمر) وهو يحاول إيقاف نزيف الدماء المستمر من ساعده:
- بل هو غطرستك السخيفة يا هذا ! لِمَ لا تطلق النار وتنهي هذا الموقف؟!
أطلق (دافيد) ضحكة عالية وهو يجيب:
- وتحرمني من الاستمتاع بهذه اللحظة؟؟ لا أظنك شديد القسوة إلى هذا الحد.
أجابه (جلال) في برود:
- بل أنت الشديد الغباء يا (دافيد).. ستندم على إضاعة هذا الوقت.
هتف (دافيد) في تحدي:
- أتراهن؟؟
ولكن رصاصة صائبة انطلقت فجأة من خلف (دافيد) لتصيب مسدس هذا الأخير وتلقي به بعيدا، فاستدار (دافيد) إلى مصدرها في غضب ووجد العقيد (كمال) يصوب إليه مسدسه وهو يبتسم في سخرية ويقول:
- أراهن.
هز (جلال) رأسه نفيا في أسف مسرحي وهو يقول:
- ألم أقل لك أيها الخرتيت؟؟
احتقن وجه (دافيد) غضبا، في حين مزق (جلال) قميصه وأسرع يحيط به ساعد (عمر) المصاب ليمنع الدماء، ثم ساعده على النهوض، في حين قال (كمال) بنفس السخرية:
- هل تأخرت عليكم؟ يؤسفني أن الطائرات ليست هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تنقلنا إلى إسرائيل هذه الأيام.. هل أقتله أم أعذبه كما كان يفعل بأسراه؟
رمق (عمر) (دافيد) بنظرة مخيفة وأجاب:
- إنني أحتفظ له بمصير أروع.. مصير يليق به.
وارتجف قلب (دافيد) على الرغم منه..

****

0 التعليقات:

إرسال تعليق