مملكة الإبداع

إنها مملكة أهديها إلى أعز الناس، وأحب الناس، وأغلى الناس، فهي من أرشدتني إلى إنشائها وإليها أهدي كل الكلمات..

موعد مع الكرامة !! الفصل الأول

الفصـــــل الأول
***
جلس المقدم (عمر عبد اللطيف) وبجواره زميله الرائد (كمال مختار) أمام شاشة الكمبيوتر، والتزما بالصمت تماما وهما يتابعان مقطع فيديو عبر شبكة الإنترنت، تبدو فيه فرقة عسكرية إسرائيلية وهي تحاصر مجموعة من الفلسطينيين يقاتلون في بسالة، وسط معركة غير متكافئة على الإطلاق، خاصة حينما بدأ الإسرائيليون يستخدمون القنابل الحارقة، ويطلقون النار في غزارة، فزفر (كمال) وغمغم في مرارة:
- متى سينتهي هذا الكابوس؟
تجمدت نظرات (عمر) على الشاشة وأجاب:
- لكل شيء نهاية.
وصمت لحظات ثم تابع في قوة:
- الأمر يحتاج إلى مزيد من القوة والإصرار.. يحتاج إلى الوحدة.
قال (كمال) متهكما:
- الوحدة!.. حقا؟؟ أتظن هذا ممكنا؟!
قبل أن يجيبه (عمر) اقتحم رجل ثالث المكان وهتف في انزعاج شديد:
- إسرائيل تهدم المسجد الأقصى!!
وارتجف قلبا الرجلين في فزع..

***

تثاءب جندي إسرائيلي في مشهد مقزز وهو يلوح بذراعه قائلا لزميله الذي يقف بجواره:
- تبا لكل هذا الحذر! إنني أقف معك هنا لحراسة هذه المنطقة منذ ما يقرب من ساعتين دون أن تجرؤ نملة على الاقتراب! أتظن أن هناك مجنونا واحدا يمكنه مهاجمة منطقة عسكرية إسرائيلية، في قلب القدس؟!
تلفت زميله حوله في حذر وهو يغمغم:
- كل شيء جائز يا (إيزاك).
صاح (إيزاك) في حنق:
- إلا هذا يا (حاييم)! هؤلاء الفلسطينيون مجرد مجموعة من الكلاب الضالة الحقيرة التي لا تجد مأوى! ألا تتذكر هذا الشاب الذي حاول مقاومتنا منذ أسبوع، فنزعت أظافره وسلخت جلده بالبارود؟.. حتى حينما حاولت أخته حمايته والتظاهر بالبطولة، سقط منها المسدس وانخرطت في البكاء!
التفت إليه (حاييم) وهتف:
- وماذا عن الشاب الذي قتل اثنين من جنودنا البارحة بالحجارة واستولى على أسلحتهما ليباغت المخيم ويسبب لنا أضرارا فادحة؟؟ لقد اضطررنا إلى سحق جسده تحت دبابة حتى نتخلص منه!! كلا يا (إيزاك).. إنهم يتميزون بالشجاعة والجرأة..
انهمك الاثنان في مناقشة حادة دون أن ينتبها إلى فتاة فلسطينية شابة تمر من بعيد وهي تترنح في إعياء، وقد تمزقت ثيابها وامتلأ جسدها بالجروح والكدمات، لكنها تحاملت على نفسها كي تتحرك وتتجه إلى منزل صغير فارغ، ودلفت إليه ثم أغلقت الباب خلفها وهي تبكي من فرط الألم، ثم ألقت جسدها على الأرض وهي تلهث في شدة..
تذكرت ما حدث منذ قليل حينما اقتحم الإسرائيليون منزلها الذي تقيم فيه مع زوجها، فنجح الأخير في تهريبها عبر مخرج خلفي حتى لا تواجه هذا المصير المظلم الذي يعلمه كل فلسطيني، خاصة أنها حامل وعلى وشك الوضع..
توقفت ذكرياتها بسبب هذا الألم الرهيب الذي تشعر به، وانقبضت عضلات رحمها في شدة حتى تطرد الجنين القابع داخله والذي يصر على المجيء إلى الدنيا في توقيت حرج، وحاولت أن تكتم صرختها حتى لا تكشف موقعها ولكنها لم تنجح فانطلقت عالية مدوية وتعلقت يداها بأي شيء حتى تخفف عن نفسها آلام الولادة..
ومع الصرخة الثانية، أصبح جنينها رضيعا، واندفع جسده خارج جسدها وهو يشهق ويبكي في شدة، وانفجر شلال من الدم والسوائل عقب خروج الجنين، وسط بيئة غير معقمة تسمح لمئات الأمراض أن تصيب الفتاة، إلا أنها كتمت كل الآلام في أعماقها وهي تنظر إلى ابنها في عطف وحب وحنان، ثم انفجرت دموعها وهي تردد:
- الحمد لله.. الحمد لله.
ولكن فجأة سمع جندي إسرائيلي صراخها فاقتحم المكان ورمقها بنظرة صارمة ثم صوب مدفعه إلى رضيعها، فصرخت بكل قوتها وهي تلقي جسدها أمامه حتى تتلقى عنه الرصاصات:
- كلا.. كلا.. ليس ابني.
ولكن الإسرائيلي - الذي أوقف كل مشاعر الإنسانية والرحمة داخله وتحول إلى حيوان مفترس حقير - تقدم إلى الأمام وركل جسد الفتاة بقدمه ليزيحها من أمام الطفل، فألقت الفتاة نفسها تحت قدمي الجندي وصرخت بكل ما تشعر به من ذل وانكسار وهلع وخوف وحب لابنها:
- أرجوك.. أتوسل إليك.. لا تقتله.
خيل إليها أن طفلها يبتسم في هدوء، وتخيلت كأنه فتح عينيه ونظر إليها مباشرة، وسمعت صوتا يتردد داخل رأسها فقط قائلا:
- لا تقلقي يا أماه.. سألقاكِ في الجنة إن شاء الله.
وهنا، ضرب الإسرائيلي وجهها بقدمه في قسوة ثم صوب مدفعه إلى الطفل..
وانطلقت الرصاصات..

2 التعليقات:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لن اخاطبك ككاتب ولكني سأخاطبك كممثل ومخرج ومصور , حقا ابدعت مشهدا انهار له كياني , ثق ان هذه ليست مبالغة , فانها كلمه فقيرة الوصف عما حدث لي وقت قراءتها , ولعلك خير من فطنت ذلك , حتي اني عندما وجدتها امامي مره اخري لم استطع قراءة سطر منها مرة اخري

وكما اعتادت دائما لن اعلق ع الاسلوب , فطريقي صار الاحساس و الثنايا وما اهملته الكلمات

دمت مبدعا ولا حرمنا الله ابداعات قلمك

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ،،

كيف لي أن أرد على تعليقك الرائع هذا؟ فولله ان لكِ أسلوبا في التعليق يجعلني أنتظر كلمة واحدة منكِ تضيفينها إلى كل كتاباتي، بل يجعلني أنتظر فقط الشعور بأنكِ تقرأينها بالفعل وأنكِ تتأثرين بها هكذا..

فجل ما يتمناه الكاتب أن يجد قارئا يفهمه ويتذوق ما يكتبه بل وتصل إليه الرسالة التي يريد أن ينشرها في كل مكان..

فجزاكِ الله خيرا..

 

إرسال تعليق